نشر بتاريخ: 30/05/2018 ( آخر تحديث: 30/05/2018 الساعة: 18:46 )
الكاتب: د. وليد القططي
لم يُدرك العدو بغطرسته المعهودة مغزى تصريح الناطق باسم سرايا القدس قبل أربع سنوات بأن التهدئة التي أُرسيت بعد حرب 2012 بوساطة مصرية تُعاني من مرحلة الشيخوخة أي أنها بحاجة إلى تجديد؛ فلم تكد تمرُ أربع وعشرون ساعة على هذا التصريح حتى قامت سرايا القدس بعملية كسر الصمت الأولى فأمطرت مواقع ومستوطنات العدو في غلاف غزة بعشرات القذائف والصواريخ فاق عددها المائة والثلاثين صاروخاً كانت كافية لإفقاد العدو توازنه، والتخفيف من غلواء غطرسته، وإعادة الوعي له بالعودة إلى تفاهمات 2012 والالتزام بقواعد الاشتباك المعمول بها بين المقاومة والعدو.
مرَّ على عملية كسر الصمت الأولى أكثر من أربع سنوات تخللها حرب 2014 التي أرست بدورها قواعد اشتباك جديدة بناء على تفاهمات القاهرة التي أوقفت الحرب العدوانية على غزة، هذه القواعد رغم أنها تُكبّل يد المقاومة وتجعل عملها المقاوم يأخذُ الطابع الدفاعي؛ إلاّ أنها أرست قواعد اشتباك فيها قدر كبير من الندية بين المقاومة والعدو، ورسّخت قواعد ردع متبادل نسبية بسبب الفارق الهائل في القوة العسكرية، وفرضت توازن رعب غير متكافئ إلا أنه يستطيع لجم عدوان الكيان إلى حدٍ ما، وهذه القواعد من غير المسموح للعدو أن يُغيّرها لصالحه من خلال اعتداءاته المتكررة، ولذلك كانت عملية كسر الصمت الأولى التي أوصلت رسالة المقاومة وفحواها أن قواعد اللعبة لن تتغير من طرف واحد، وأن التهدئة لا تعني الاستسلام، وأن العدو ليس المتحكم الوحيد في إدارة الصراع وتحديد أدواته وزمانه ومكانه.
الوضع الذي نشأ قُبيل جولة التصعيد الأخيرة يشبه الوضع الذي سبق عملية كسرت الصمت الأولى، فكان رد سرايا القدس ضرورياً بل وجبرياً بعد تكرار اعتداءات العدو على مواقع المقاومة وارتقاء العديد من الشهداء من رجالها، وبعد أن أصبح الرد مطلباً شعبياً للجم العدو والانتقام منه خاصة بعد المجزرة التي ارتكبها ضد المتظاهرين السلميين المشاركين في مسيرات العودة في ذكرى النكبة. ولم تكن الخيارات أمام المقاومة كثيرة فعدم الرد على الاعتداءات سيؤدي بلا شك إلى تكرارها وتصاعدها بحيث تؤدي حتماً إلى تغيير قواعد الاشتباك لصالح العدو، وستؤدي إلى استنزاف قدرات وإمكانيات المقاومة المادية والبشرية وصولاً إلى إضعافها وربما إخراجها من المعادلة، وسيؤدي إلى فقدان ثقة الشعب الحاضن للمقاومة بمقاومته ونهجها.
أما خيار الرد على العدوان والاعتداءات المتكررة فقد يؤدي إلى تدحرج الأمور إلى الحرب بما تحمله من معاناة وخسائر تُضاف إلى المعاناة الموجودة أصلاً بفعل الاحتلال والحصار والعقوبات التي تُثقل كاهل الشعب الفلسطيني الصامد والمرابط والمقاوم في قطاع غزة، كما أن الحرب قد تكون النهاية لفعاليات مسيرة العودة وكسر الحصار التي لم تصل إلى غايتها بعد. وفي كل الأحوال ذهبت سرايا القدس ومن ورائها حركة الجهاد الإسلامي مدعومة بكل فصائل المقاومة والشعب الفلسطيني إلى خيار الرد وكسر الصمت إدراكاً منها أن الرد كان ضرورياً ولا مناص منه ولا محيص عنه؛ وذلك لمنع العدو من تغيير قواعد الاشتباك من طرف واحد، ولوقف نزيف المقاومة مادياً وبشرياً، وللحفاظ على ثقة الشعب الفلسطيني بمقاومته ونهجها النضالي والسياسي.
وبدون ذلك سيكون ثمن السكوت على العدوان المتواصل والاعتداء المتكرر وعدم الرد عليه أكبر بكثير من ثمن الرد عليه مهما كان الثمن الذي سيدفعه الشعب والمقاومة باهظاً فعلى الدوام وعبر التاريخ كانت الضريبة التي تدفعها الشعوب المستكينة الخانعة ثمناً للذلة والمهانة أكبر بكثير من الضريبة التي تدفعها الشعوب الحرة الثائرة ثمناً للعزة والكرامة.