نشر بتاريخ: 01/06/2018 ( آخر تحديث: 01/06/2018 الساعة: 22:03 )
الكاتب: محمد خضر قرش
الشعوب والأمم الحية والتي تتطلع لتحقيق أهدافها التنموية والسياسية والوطنية وتحرير أرضها والتغلب على اعدائها تقف امام نفسها سواء عبر ممثليها او احزابها الفعلية وليس الكارتونية – كما هو واقعنا في فلسطين ومعظم الوطن العربي – بين فترة وأخرى لتقييم مسيرتها وإجراء مراجعة نقدية شاملة او قطاعية في المحطات أو المفاصل التي يتركز فيها الخلل وتتراكم السلبيات والاخطاء على الأقل بغرض التخلص من الأدران والدمامل وكل الشوائب التي علقت بالجسم النضالي عبر السنين.
لذا فإن إجراء عمليات التنخيل والتطهير والتنظيف لمؤسسات منظمة التحرير ما هي إلا نتيجة طبيعية للمراجعة والتقييم الدورية التي يتوجب القيام بها بين فترة وأخرى. فالمنظمة منذ تأسيسها عام 1964 وحتى تاريخه لم تقم هيئاتها القيادية وفي مقدمتها اللجنة التنفيذية بأية مراجعة نقدية فعلية للمسيرة النضالية والكفاحية التي انطلقت من جبل الزيتون في القدس، لغرض استخلاص الدروس والعبر ورسم التوجهات المستقبلية.
فإذا تركنا جانبا الفترة الممتدة من 1964 -1968 والتي لم يكن لقيادة الفصائل الفلسطينية المسلحة أي دور في إدارتها، لذا فمن غير الممكن تحميلها مسؤولية الاخطاء التي رافقت التجربة الأولى وخاصة مبدأ اعتماد تعيين أعضاء المجلس الوطني منذ البداية.
ومع استلام فصائل وحركات المقاومة للمنظمة بدأت مرحلة جديدة في تاريخها التمثيلي والشرعي لشعب فلسطين من خلال ممارسة الكفاح المسلح. وإذا جاز لنا لغويا ومهنيا ووطنيا ونضاليا تشبيه المنظمة بالخيمة كما يحلو للكثير وصفها أو الشجرة الكبيرة التي يتفيأ بظلالها ويستفيد من ثمارها كل شعب فلسطين، فكان من الواجب الاهتمام بالخيمة أو الشجرة ورعايتها وحمايتها وتقويتها وتحصينها بإبعاد كل الحشرات الضارة والزواحف اللاسعة كي لا تتمكن من بث سمومها سواء عبر تسلق جذوعها او من التوغل إلى الجذور عبر التربة مما سيؤدي بالضرورة إلى اتلاف وتخريب المنتوج. وبعد استلام الفصائل المسؤولية وبالذات حركة فتح لم تتم مراجعة للمسيرة النضالية القصيرة. وقد حصل ما حصل في ايلول 1970وانتقال الثقل إلى لبنان دون الوقوف امام الأخطاء وربما الخطايا والتي بقيت شاخصة وظاهرة للعيان ثم أضيفت اليها أخطاء وكوارث الساحة اللبنانية فتضخمت الأخطاء والسلبيات وباتت كالتلال الصوانية الصلدة القاحلة وغير المنتجة والمعطلة للمسيرة والتحرير.
وكان من الواجب بناء مصدات اسمنتية قوية تحول دون تأثرها بالرياح العاتية التي كانت تهُب من كل صوب ولكنه لم يتم للأسف الشديد في أي ساحة مما مكن قوى الأعداء بأخذ مواقع لها داخل الخيمة او بالقرب منها أو السيطرة على بعض جذوع وأغصان الشجرة بما في ذلك الانتفاع من ثمارها وظلالها بغير وجه حق، مما لم يعد يصلح معها أسلوب الترقيع ووضع الأحجار وربط الحبال جيدا لإعادة تثبيتها. فكان يجب استئصال وبتر العديد من الاغصان الناشفة والخايسة واليابسة التي نخرتها ديدان الأرض واستوطنت داخلها وبات من المستحيل معالجتها سوى بالقطع او زراعة أشجار جديدة مثمرة مكانها و/أو الى جوارها بعد أن بات إجراء التقليم بغير ذي جدوى وبلا فائدة ولا يحقق المبتغى.
ومع الانتقال إلى تونس ومن ثم العودة المستعجلة وغير المدروسة جيدا إلى أرض الوطن عادت المنظمة ومعها كل المفاسد والاخطاء التي تجمعت من كل الساحات المنافي والشتات وبالأدق اندمجت مع كل ما زرعه الاحتلال من الأخطاء والسلبيات في أرض الوطن. ورغم علم وتلمس وإدراك قيادة م. ت. ف. لكل هذه المصائب والخطايا فإنها لم تقم بإجراء مراجعة واحدة فعلية لمسيرة منظمة التحرير. وحين كان يطرح عددا من العقلاء وحتى بعض الفصائل بضرورة واهمية إجراء المراجعة والتطهير والتنخيل والتنظيف لمؤسسات منظمة التحرير ما دمنا قد عدنا إلى ارض الوطن، فكان الجواب والتبرير جاهزا بأن هذه الشخوص هي "الجزم التي سنعبر فيها وبعد ذلك سنتخلص منها " وكأن المشكلة تنحصر بالشخوص فحسب.
لقد توفي صاحب وجهة النظر هذه، والذي تبين على الفور بأنهم قد تركوا جزمهم في الوطن فعلا وغادروا ومعهم ما جمعوه ولم نفلح حتى تاريخه في معرفة حجم الثروة التي نهبوها من أموال الشعب. كما فشلت قيادة المنظمة والسلطة في احضارهم وسوقهم إلى العدالة. وبعضهم امتلك الوقاحة وبقي في الوطن مع ثروته واشتروا جزما جديدة تليق بثروتهم. وللعلم أيضا فإن العديد من أعضاء المجلس الوطني المعينين بلغوا من العمر عتيا وما زالوا أعضاء في المجلس الوطني واللجنة التنفيذية. بل ان بعض من توفي منهم قد تم تعيين أولاده مكانه إكراما لنضالاته ولإنجازاته الكبيرة!!. كما تمت إضافة كبار رجال الاعمال والمال والبنوك إلى المجلس الوطني لدورهم الكبير في القضاء على الجوع والفقر والبؤس وتوسيع استثماراتهم في الوطن!!!
المنظمة والسلطة
على ضوء التجربة الفاشلة التي دفع شعبنا ثمنها لحما ودما ومالا وسمعة، فلم يعد ممكنا ولا مقبولا ولا دستوريا ان تبقى نفس الأساليب والمنهجية سائدة في بناء منظمة التحرير التي أصبح هيكلها وجسمها النضالي مخروم في أكثر من موقع ومكان ومصاب بالعت والعفن حيث تنمو الطحالب والفطريات والديدان تحت رعاية وإشراف القطط السمان. يجب علينا أن نعيد الهيبة ودفة القيادة الفعلية لمنظمة التحرير وإلباسها ثوبا جديدا وبالضرورة لقيادة شابة لتتمكن من إدارة مؤسسات السطلة الوطنية.
فلم يعد ممكنا أن يستأثر رجلا بعينه مهما كان موقع في الإعراب، التحكم بالمنظمة والسلطة الوطنية ومؤسساتهما المهنية والمالية والمصرفية والاقتصادية المتخصصة، لذلك لا بد من الفصل التام بينهما. وهذا يعني أن الرئيس الحالي من المفترض ان يكون هو اخر رئيس يجمع بين يديه وتحت إمرته عدة سلطات. فرئيس المنظمة يجب الا يكون ابدا رئيسا للسلطة الوطنية /الدولة الفلسطينية. فمبدأ الفصل بين قمة هرم السلطات يجب ان يكون ضمن عملية التطهير والتنخيل والهيكلة الجديدة الواجب تبنيها. إجراء المراجعة والتقييم للتجربة الماضية يجب اتمامه في هذا العام لأخذ العبر والدروس.
لقد أزف الموعد قبل ربع قرن لإتمام وفعل ذلك، فمن الكارثة استمرار المماطلة والتأخير أكثر من هذا للبدء بها. يجب ان نعيد الاعتبار لمنظمة التحرير من خلال وضع العربة أمام الحصان وانتخاب فرسان جدد ليتولوا القيادة في المرحلة القادمة والتي ستكون هي الأخطر. القيادة الحالية الهرمة لمنظمة التحرير لم تعد مؤهلة ولا قادرة على توصيل قضيتنا إلى مكان شبه آمن نستطيع منه إعادة لملمة وتجميع الصفوف وتحديد الأولويات وإعادة هيكلة المنظمة. الأجيال الشابة القادمة لن ترحم ولن تغفر تقاعس القيادات الحالية التي بلغت من العمر عتيا، عن القيام بواجبها النضالي وتسليم الأمانة للأجيال التالية لها. فهي لم يعد بإمكانها ولا باستطاعتها ولو كانت تملك الرغبة المتأخرة من تحقيق أهداف نضال شعبنا في الحرية والتحرر والتنمية والتخلص من الاحتلال البغيض. لقد دفع شعبنا ثمنا باهظا من خيرة منضاليه وشبابه لإصراره على انتزاع حقوقه غير القابلة للتصرف. من الكارثة الاستمرار على نفس النهج والأسلوب المستمران منذ خمسة عقود لتسلم الفصائل المسلحة زمام قيادة منظمة التحرير.