نشر بتاريخ: 03/06/2018 ( آخر تحديث: 03/06/2018 الساعة: 10:03 )
الكاتب: أحمد طه الغندور
ها هو شهر مايو ينقضي وقد بلغ عدد شهداء فلسطين الذين قضوا في مسيرات العودة التي انطلقت في الثلاثين من مارس الماضي 120 شهيداً من محافظات غزة إضافة إلى الآلاف من الإصابات المتنوعة، والتي لم تُطلق خلالها من المقاومة رصاصة واحدة ضد الاحتلال دفاعاً عن المدنيين السلميين، والتي كان أخرهم بالأمس المسعفة المتطوعة رزان النجار 21 عاماً والتي قضت في جريمة يندى لها جبين الإنسانية وهي تؤدي واجبها الإنساني في تقديم الإسعاف والخدمة الطبية للمصابين في معسكرات العودة.
بالرغم من العديد من النصائح الغربية المرسلة إلى الاحتلال الإسرائيلي بوقف مذابحه في حق المدنيين الفلسطينيين العزل المشاركين في مسيرات العودة، والحد من إنشاء المستوطنات غير الشرعية في الضفة الغربية؛ حتى من الإدارة الأمريكية شريكة الاحتلال وحاضنته، إلا أن الاحتلال الإسرائيلي وخاصة هذه "العصابة من المتطرفين" التي تحكم "تل أبيب" اليوم بقيادة "نتانياهو" تأبى إلا أن تستمر في العدوان والاستيطان والتنكيل بالشعب الفلسطيني بأبشع الجرائم متجاوزةً كافة القوانين والمواثيق والأعراف الدولية.
ويرجع السبب في ذلك إلى رغبة "نتانياهو" في الفرار إلى الحرب لأسباب عدة يراها أكثر راحة له، بالرغم من النصائح المشار إليها سابقاً إضافة إلى مطالبات عدد من الأجهزة الأمنية الإسرائيلية؛ والتي يصرون فيها على منح قطاع غزة بعضاً من الانفراج في الأحوال المعيشية التي تدنت إلى مستويات مأساوية.
وفي الجانب الأخر هناك الضغوط التي تُمارس على السلطة للعودة إلى المفاوضات المباشرة والقبول بما يُسمى "صفقة القرن" دون أن قيد أو شرط، حيث عليها أن تكون "شاهد زور" على ضياع القدس وجل الجوانب الهامة في القضية الفلسطينية، وأن تبارك تدشين العلاقات المفتوحة والمباشرة ما بين الدول العربية والاحتلال.
ولقد شهدت أروقة مجلس الأمن بالأمس بعضاً من مظاهر هذه المرحلة والتي عبر عنها بصدق سعادة السفير ساشا سيرجو مندوب بوليفيا في الأمم المتحدة أثناء جلسة لمناقشة توفير نوع من الحماية للفلسطينيين بناءً على اقتراح تقدمت به دولة الكويت الشقيقة، حيث قال: " مجلس الأمن أصبح محتلا بوجود عضو دائم يصوت باستمرار لصالح "إسرائيل".
هذه المرارة التي عكستها هذه المقولة الصادقة تحمل بين ثناياها الكثير من التردي الذي وصلت إليه القضية الفلسطينية، ومع ذلك فقد أوصلت المقاومة الفلسطينية ردها الواضح للاحتلال يوم الثلاثاء الماضي بأن "الدم بالدم والقصف بالقصف"، وحتى إن اعتبرنا أن هذه الجولة من الاشتباك مع العدو " خطوة لتحريك المياه الراكدة" وأنها تهدف إلى فرض شروط جديدة للهدنة مع الاحتلال للفترة القادمة، فإن ذلك لن ينجح للأسباب التي يتعلق بها "نتانياهو"؛ وهكذا يجد العدوان الإسرائيلي الجديد طريقه إلى غزة ثانية، وعلى فلسطين وغزة والمقاومة أن تأخذ العدة لذلك، فمن الواضح أنه قد يكون الأقسى والأطول في تاريخ الاعتداءات الإسرائيلية، ولا أقول ذلك بهدف التخويف ـ إذ ليس لدينا ما نخسره، فليس هناك أسوء مما يعانيه الشعب في غزة الأن من القريب والبعيد ـ إنما الهدف هو الاستعداد.
هنا؛ يحق لنا الأن أن نتعرف عن الدوافع وراء رغبة "نتانياهو" بالفرار إلى الحرب بدلا من العمل على الأخذ بالنصائح بعقد هدنة طويلة الأمد من خلال منح القطاع بعض الانفراج المعيشي.
والسبب في ذلك يتمثل في عدة دوافع هي:
• السبب الشخصي والمباشر هو الهروب من شبح الخضوع للقانون هو وزوجته في القضايا التي تثيرها السلطات الإسرائيلية ضدهما، فالحرب هي الوسيلة الأفضل لذلك.
• الضغوط التي تُمارس عليه من قِبل اليمين الأكثر تطرفاً، وخاصة أن البعض منهم يطالب بإعادة احتلال غزة، وعدم السماح للمقاومة أن تكون قوة على غرار حزب الله في لبنان، وبالتالي عدم تجاوبه مع هذه الضغوطات يهدد بقاء إتلافه في الحكم.
• يظن "نتانياهو" بأن جبهة غزة هي الجبهة الأضعف بالنسبة للكيان، وأن إنهاء خطر هذه الجبهة في جولة خاطفة يساهم في رفع معنويات جنوده، ويساعد على التأثير على معنويات الجبهتين السورية واللبنانية.
• رغبة "نتانياهو" في زيادة الانقسام والضعف الفلسطيني؛ مما يعطيه أفضلية في فرض الشروط الأسوأ على الفلسطينيين والعرب فيما تحمله "صفقة القرن" بل حتى التهجير والتوطين خارج فلسطين.
• الرغبة في إنهاء المحاذير أو المخاطر على الجبهات المختلفة التي قد تؤثر على الاحتلال في حربه مع إيران.
• أخيراً، الرغبة المميتة لدى "نتانياهو" في شن الحرب على إيران، لما في ذلك من مصالح عديدة يعتقد بها، منها ضمن التفوق النووي وضمن التوسع في المنطقة على حساب الدول العربية.
لذلك؛ فالعدوان قادم مهما كُثر الكلام عن تهدئة أو مبادرات لإعادة الأمل لغزة، لذا علينا أن نكون مستعدين لما هو قادم، فليس لدينا ما نخسره سوى ذل العيش في ظل هذا الوضع المهين.