نشر بتاريخ: 04/06/2018 ( آخر تحديث: 04/06/2018 الساعة: 12:04 )
الكاتب: د.وليد القططي
بعد خروج السيد الرئيس محمود عباس من المشفى الاستشاري برام الله قال للصحفيين المتجمعين أمام المشفى صحة الوطن بخير وسأباشر عملي في الغد. تقارير المشفى الطبية وخروج السيد الرئيس ماشياً على قدميه وحديثه أمام الصحفيين تؤكد أن صحة الرئيس بخير، ولكنها لا تؤكد أن صحة الوطن بخير كما ذكر سيادته؛ وكيف تكون صحة الوطن بخير وهو مُحتل من أقصاه إلى أقصاه، ونصف الشعب الفلسطيني في الشتات ونصفه الآخر موّزعٌ على ثلاثةِ أنواع من الاحتلال في الوطن الواحد ما بين الضفة وغزة والأرض المُحتلة عام 1948، وكيف تكون صحة الوطن بخير والانقسام يضرب خيمته السوداء على الوطن منذ أكثر من عقدٍ من الزمان... وكيف تكون صحة الوطن بخير والنظام السياسي الفلسطيني مريض؟!
والدليل على أن النظام السياسي الفلسطيني مريض وبالتالي صحته ليست بخير هي طريقة تعامل السلطة مع مرض الرئيس باعتباره سراً من أسرار الأمن القومي لا يجوز الاقتراب منه أو الحديث عنه، وكأن الرئيس ليس بشراً يتعب ويمرض ويموت، وهذا ليس خاصاً بالسلطة الفلسطينية فمعظم الأنظمة السياسية المُتخلّفة خاصة العربية منها تتعامل بهذه الطريقة، ومن أمثلة ذلك طريقة تعامل النظام المصري في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك عندما مرض لدرجة أنه قدّم صحفي كبير هو إبراهيم عيسى للمحكمة بتهمة نشر أخبار كاذبة عن صحة الرئيس حسني مبارك على نحو أضر بالأمن القومي المصري.
ولذلك ليس من الغريب أن تتشابه الحالتان- المصرية والفلسطينية- فيما يتعلّق بمرض الرئيس، فكلاهما فوق الثمانين من العمر وليس لديهما نائب رئيس وعدم صدور بيان رسمي حول مرضهما وتضارب الأخبار من المسؤولين الحكوميين حول مرضهما ووجود تسريبات أجنبية: أمريكية وإسرائيلية.
والنظام السياسي الفلسطيني مريض كالأنظمة العربية التي تعتمد على تركيز السلطة والقرار بين شخص الرئيس أو الملك يلتف حوله حاشية اتخذها من الشعب وانفصلت شعورياً عن شعبها وأصبح لديها مصالح خاصة منفصلة عن مصالح الشعب، واصطنعها لنفسه لتكون ركيزته في السيطرة على الشعب ونهب قوتهم وجلد ظهورهم، وهي حاشية متنوّعة المهارات من فساد ونفعية وانتهازية وارتزاق من السياسيين ورجال الأعمال والمثقفين والإعلاميين والثوار السابقين... وهذه النخبة تُجيد دوري التبعية للرجل الكبير وخداعه في نفس الوقت حتى إذا غيّبهُ المرض أو الموت أصبح همّهم وديدنهم هو الحفاظ على وجودهم ومصالحهم وامتيازاتهم بشتى الطرق المشروعة وغير المشروعة من خلال تصعيد خليفة للرئيس يضمن لهم كل ذلك.
والنظام السياسي الفلسطيني مريض كونه يُعاني من أزمة الشرعية أسوة بالأنظمة العربية التي تحكمها نخبة مفصولة عن شعبها وتُعاني من أزمة في تمثيلها الحقيقي للشعب فضلاً عن عدم تمثيلها لأهدافه وطموحاته إضافة لمشكلة في طريقة وصولها وبقائها في الحكم. والنظام السياسي الفلسطيني يُعاني من أزمة شرعية حتى في وجود الرئيس محمود عباس، والمتوقع أن تشتد هذه الأزمة بعد غيابه ما لم تُحل قبل ذلك، وأزمة الشرعية نابعة من فقدان أو ضعف الشرعية الثورية للنخبة السياسية بعد أوسلو، وتحوّل الثوار إلى موظفين طحنتهم السلطة في دواليبها، وبعد تراجع دور المنظمة أمام طغيان مؤسسة السلطة الفلسطينية، وهناك أزمة في الشرعية الدستورية أو القانونية في مؤسسة السلطة بعد انتهاء الولاية الدستورية لكلٍ من الرئيس والمجلس التشريعي وما نتج عن آثار الانقسام على النظام السياسي الفلسطيني.
وشيءٌ آخر بالنسبة للنظام السياسي الفلسطيني فقد كانت منظمة التحرير الفلسطينية منذ إقامتها في العام 1964 ثم دخول حركات المقاومة الوطنية هي البُنيان الأساس لهذا النظام القائم على أساس متطلبات وطبيعة مرحلة التحرر الوطني، والذي حدث بعد أوسلو بإقامة السلطة الفلسطينية عام 1994 هو تحوّل في النظام السياسي باتجاه إقامة مؤسسات الدولة على أرض فلسطينية غير محررة تقع تحت الاحتلال، فوضعنا العربة أمام الحصان، مُخالفين طبيعة حركات التحرر الوطني التي تُحرر الأرض ثم تُقيم سلطتها عليها، فنشأ بذلك نظام سياسي مشوّه وكيان وطني غير محدد المعالم بُنيَ على فرضية خاطئة تعتبر أن بالإمكان إنشاء سلطة وطنية على أرض مُحتلة قبل تحريرها بالفعل.
ختاماً بالنسبة لصحة الرئيس محمود عباس فُيمكن علاجها في المشفى وقد عولج بالفعل وندعو الله أن يشفى بالكامل ويسترد صحته على أمل أن يعمل على استرداد صحة الوطن ليكون بخير بالفعل، وأول الخطوات لذلك هي إصلاح النظام السياسي الفلسطيني وإعادة بنائه على أساس طبيعة ومتطلبات مرحلة التحرر الوطني التي لا زلنا نعيشها بعيداً عن وهم السلطة التي تقبع تحت الاحتلال، أو على الأقل الفصل بين المنظمة ككيان سياسي وطني يقود المشروع الوطني الفلسطيني ويجمع الكل الفلسطيني، وبين السلطة ككيان وظيفي يدير شؤون السكان في الضفة والقطاع.