نشر بتاريخ: 04/06/2018 ( آخر تحديث: 04/06/2018 الساعة: 12:14 )
الكاتب: وليد الهودلي
ليس سهلا على نفسية الفلسطيني المسن أن يغربل على الحواجز اللعينة كي يسمح له الصلاة في القدس وقد تجاوز الخمسين..
ليس سهلا على نفسية الفلسطيني المسن على احد حواجز الغربلة أن تشير له مجندة بإصبعها الصغير سامحة له بالعبور بعد ان تمعن النظر في الشيب الذي يغزو رأسه..
ليس سهلا على نفسية الفلسطيني المسن أن يشير اليه احد الجنود ببندقيته كي يتحول الى المسرب الذي يقوده الى "معّطات" الدجاج ( الباب الذي يدور كهربائيا والمتشعب الحديد بما يشبه ما يسلخ ريش الدجاج عن جسمها وهكذا اصطلح الفلسطينون على تسميتها ).. وهناك يفحصون الهوية ويمحصون تاريخه وأسبقياته معهم وعليه ان لا تشوبه اية شائبة والا كان ارجاعه او اعتقاله.
ليس سهلا على نفسية الفلسطيني المسن أن يعيدوا من بين يديه طفله الذي لم يقتنعوا ببراءة طفولته، وهذا من المفترض ان يعود لتكحيل عينيه برؤية الاقصى عندما يبلغ الخمسين من عمره..
ليس سهلا على نفسية الفلسطيني المسن ان يرقب حركت الحافلات التي تنقله والمقيدة بكل دقة من المعابر الى ابواب القدس تحت حراب قوات أمنهم ، تسير به من شارع الى شارع حسب خطة أمنية تشعره بانه ارهابي حتى النخاع والحذر منه واجب بلا حدود وأنه مجرد كائن غير مرغوب فيه وان كان ولا بد ان يصل الى مصلاه فتحت حرابنا وكل حركة من حركاته محوسبة بحواسيبنا بكل دقة " على التكة" ، والفلسطيني ينظر من خلف نافذة الحافلة محكمة الاغلاق ، طلاقة الحركة لغيره من الجنس الاخر شعب الله المختار!لا شيء يقيد حركتهم بينما كل شيء يقيد حركته .. تتحرك الحافلة بامرهم ومتى وحيث وكيف يريدون، وتتوقف بأمرهم في النقطة التي يريدون حيث يطلق سراح الفلسطينيين من الحافلة الى حيث المسرب الذي يوصل الى مكان السجود دون اي هامش لخطوة هنا او هناك ..
ليس سهلا على نفسية الفلسطيني المسن ان يصل القدس العتيقة ليكتشف انها ثكنة عسكرية لهم وأن عليه ان يضبط كل حركاته وسكناته والا كان طاعنا لامنهم واستحق بذلك ان تاتيه النيران من كل جانب .. اية غلطة مقصودة او غير مقصودة ستكلفه حياته وسيكون راس ماله خبرا جاهزا مفبركا عاجلا .. مجرد خبر لا يستحق عناء كاتب الاخبار اي جهد ما عليه الا ان يضع الاسم مكان اسم في خبر سابق وما على ناطقهم العسكري درعي الا ان يخطب فينا عن فضائل يوم الجمعة عند المسلمين وسلطة حماس التي ترسل الارهابيين للقتل .
ليس سهلا على نفسية الفلسطيني المسن أن يرى جنودهم على بوابات المسجد الاقصى وقد أوقفوا كثيرا من الشباب الذين تجاوزوا غربلة المعابر .. يحال بينهم وبين الصلاة في اقصاهم والشوق قد ملأ ما بين القلوب والحناجر وحيث لم يتبق بينهم وبينها سوى بضع خطوات ..
ليس سهلا على نفسية الفلسطيني المسن وهو يرى المشهد في ساحات المسجد الاقصى قد غصت بمن اشتعلت رؤوسهم شيبا وغاب الشباب الا قليلا ممن تجشموا مخاطر جمة بغية الوصول والنجاح في تحدي غربلتهم اللعينة ، بينما تنتابه مشاهد "الزعرنة " لاولادهم وفتياتهم وهم يقومون برقصاتهم اللعينة على ساحات المسجد بقية ايام الاسبوع .
ليس سهلا على نفسية الفلسطيني المسن ان يستمع الى صوت الاذان المخنوق للمسجد الاقصى ، وأن يرى الاجراءات العقابية من ترميم واعادة تأهيل ومن السطوة الغاشمة على انفاس المسجد ومن يقومون برعايته ، يرى مسجدا دامعا ويسمع صرخات أنينه التي تدمي القلب وتقطع عروقه وتشاطره البكاء المر على ايام قد خلت وتاريخ مشرق قد داهمه ظلامهم الحالك وربض على صدره إجرامهم الاسود .
ليس سهلا على نفسية الفلسطيني المسن ان يستمع لخطبة عالم أزهري قد خرجت من سياقهم واشعلت شمعة وتحدثت عن ظلمهم وظلامهم ، ليعود الى قلبه متسائلا من يسمعك سيدي الشيخ ؟ أنت تخاطب أمة وسادة هذه الامة لا يعرفون الا لغة التوسل ممن يملك القوة ويصرّ على دعم هذه الغطرسة .. قادة أمتك سيدي الشيخ وأنت تغامر بكلمة تنتصر فيها للاقصى في سباتهم نائمون ومع سبتهم يسبتون ..
ليس سهلا على نفسية الفلسطيني المسن وهو يقارن ما بين اليوم وسبعينات القرن الماضي حيث كان ياتي للاقصى دون هذه الغربلة ويستمع لخطيب المسجد المشحون بالتحذير من مخططاتهم ، ثم ها هو اليوم يرى أسوا مما كان يسمع من تحذيرات .. ماذا فعلت تلك التحذيرات في أمة وقادة لم تكن تستمع جيدا لهذا الشيخ ولم تفعل شيئا الا الفرجة وانتظار المستقبل المعلوم ؟!
وبعد أن صلى الجمعة وقطّع الشيخ قلبه في خطبته حيث لم يكن مقصودا من الخطاب لانه ليس من القادة او ذوي الرأي في أمة باتت تترقب ما هم الاعداء فاعلون بقدسهم ، تذكر مرارة الغربلة على الحواجز ، ولانه لا يثق هل سينجح مرة ثانية في ان تتاح له هذه الفرصة المغمسة بالذل أم لا .. فقد قرر أن يصلي العصر واتبعها بالمغرب والعشاء والتراويح ثم قرر ان يبيت في المسجد ناويا الاعتكاف .. واذا بأصوات تنادي باخلاء الساحة ، فوجىء بانه لا يسمح للمصلين والمعتكفين ورمضان لا يشفع لهم بالبقاء، بينما كانت اصوات النائحين تتعالى من كنيسهم الذي بنوه في مكان غربي عال يطل على مسجدنا .. حار المسن الفلسطيني في امره الى أن أسعفه صوت مسن مثله : عليك بالاختباء في المسجد المرواني هناك .. يا الله .. علينا ان نختفي عن السطح وان نخلي المشهد من هذه الاشياء القبيحة ! التي تسمى انسان فلسطيني ..
هناك في المسجد الاقصى كيف تحتمل نفسية الفلسطيني المسن وهو يدفع ليختبأ تحت الارض بناء على تعليماتهم وأوامرهم اللعينة .. لم يكتفوا بوضعنا في مسربهم وملاحقة خطواتنا بل علينا ان نختفي عن المشهد في الوقت الذي يريدون والمكان الذي يريدون .
وعند الفجر يطلق سراحنا من هذا المخبأ لنساق الى صلاة مغمسة بالذل والهوان .. ويصر الفلسطيني على تلمس هامش من الحرية لتصدع اصوات حرة بعد الصلاة تسب وتلعن الاحتلال ومن يتساوق مع هذا الاحتلال ..
ما أحوج القدس لمسيرات العودة التى تجري على أرض غزة .. حتما ستسير الجموع قريبا لتعلن الصلاة الحرة لكل فلسطيني حر ، شبابه قبل شيبه ، رجالا ونساءا وشيوخا واطفالا .. وسيكون شعارها : نريد صلاة حرة لا غربلة احتلال فيها ولا مذلة ...