نشر بتاريخ: 11/06/2018 ( آخر تحديث: 11/06/2018 الساعة: 20:02 )
الكاتب: عميره هس
"جيش الدفاع الإسرائيلي لا يُطْلِق النار على المُضَمِّدين وعلى الأولاد"- عن الأكاذيب والجنود
في حينه لم يقصد الجنود قتل المُضمِّدة رزان النجّار، حين قُتِلَت من رصاصة أصابتها في صدرها يوم الجمعة ، ألأوّل من حزيران. هذا ما قيل إنه ظهر في التحقيق الأوّلي الذي أجراه جيش الدفاع الإسرائيلي. ورد في النشرة الشهرية الأولى لنتائج التحقيق في أولى مراحله، إن جنود جيش الدفاع الإسرائيلي لم يُطْلِقوا النار على رزان النجار. من يكتفي بسماع هذا الإعلان المهدّئ يمكنه أن يستنتج، طبعا، أن الرصاصة القاتلة لم تًصوَّب إليها. يبدو أنها أصطدمت بشيء آخر ومنه قفزت مباشرة إليها. أو أنها كانت شظيّة.
هل يُمكن تصديق الجنود على أنه لم يصوّب أيٌّ منهم بندقيّته نحو المُسْعِفة؟ هل يمكن تصديق قادتهم؟ "ثمّة أحتمال لكل شيء" قال لي صديق ذو خلفيّة حربيّة." قد يجوز أن الرصاصة اصطدمت بحجر ومنه حوّلت مسارها، لكن قد تكون لمثل هذا الاحتمل نسبة 0.01%".
لدى الجنود كل الأسباب والفُرص للكذب. خاصة وليس لدى الطرف الثاني كاميرات خفيّة تصوّر الجندي أو الشرطي الذي يصوّب، يمكن لمّن يضرب او يعتقل خلال العمليّة العسكريّة، أن يتمسّك بالكذب وأن يستعين بمجموعة من رجال القانون العسكريين، ممَن تثقفوا بتفوّق في كلِيّاتنا. من المُمْكِن التمسّك بنظرية المتظاهرة المُجْبَرة، وهي تهاجم جنديّا مُدجّجا بالسلاح من رأسه إلى أخمص قدميه، ويمكن التمسّك بنظرية أن الرصاصة قد اصطدمت بأيّ حجر أو ربما اصطدمت بلولب حديدي، وانحرفت عن مسارها، ويمكن الاستمرار برؤية الجنود على أنهم ملائكة نزيهين لا يعلو الكذب على شفاههم.
مع انه، كانت هناك حالات مدعومة بصُوَر أثبتت ما توقّعناه مُسْبَقا وما حاولت آلة الدعاية التابعة للناطق بلسان جيش الدفاع الإسرائيلي إخفاؤه. مثلا، عندما قتل الجنود الشابة هديل الهشلمون من الخليل، في سبتمبر/أيلول 2015، لقد كذبوا عندما قالوا إن المرأة الشابة تشكّل خطرا على حياتهم، بعد أن اصابوها برجلها وبعد أن سقطت على الأرض جريحة عند الحاجز. أو أن شرطي حرس الحدود بن داري، وقد أدين بالتسبب بمَوْت الفتى نديم نوّاره ابن أل- 15 في مايو/أيّار 2014، عند حاجز بيتونيا، بسبب إهمال الشرطي، وقد كذب الشرطي طوال الوقت. واشتركت النيابة العامّة معه بالكذب، عندما تجاهلت حقيقة أن القوّة "العسكريّة" قد أطْلَقَت أكثر من رصاصة واحدة في تلك الحادثة، بعكس التعليمات المُعطاة لإطلاق النار - بينما أُطلِقت أربع رصاصات، قُتِل منها فتًى آخر وأُصيب اثنان.
يكذب الجنود أيضا عندما يعتقلون فلسطينيين ويدّعون أن الفلسطينيين ضُبِطوا وهم يلقون الحجارة. عادة لا يُنْصَح بالتوجّه للمحكمة للإثبات: إذا أنكروا التُهمة، سيبقى الفلسطينيّون المُعْتَقَلون في السجن لغاية انتهاء الإجراءات القانونيّة مدّة أطول من المُدّة التي ستُفْرَض عليهم كعقوبة، في حالة التهمة بإلقاء الحجارة. لقد كانت ثمّة حالات أُطْلَق سراح الفتيان بعد انتهاء الإجراءات القانونيّة، وتكشّفت في المحكمة أكاذيب الجنود.
عندما أُعْلِن أن الجنود لم يقصدوا قتل المُضمِّدة، أضاف المُذيع، إن " جيش الدفاع الإسرائيلي لا يُطْلِق النار على المُضمِّدين وعلى الأولاد". لم يكن واضحا إن كان المذيع يقتبس من أقوال الناطق بلسان جيش الدفاع الإسرائيلي أو أنه يقول رأيه الشخصي. في كل الحالات، هذا أيضا لا يمت للحقيقة بِصِلَة. قُتِل في 14 مايو/ أيار مُضمِّد آخر برصاص جيش الدفاع الإسرائيلي، فريضة الدفاع المدني. وقد توفي نتيجة توقّف الرئتين بعد أن مَنع إطلاقُ النار مُسْعفين آخرين من الاقتراب منه لإنقاذه.
قبل ذلك بساعة واحدة أصابت رصاصة مصوّبة بدقّة الرِجْل اليُسرى لطبيب حضر للمكان مع مضمّدين آخرين – وكان يرتدي ملابس أطباء خضراء خاصّة بالمستشفى التي يعمل بها. وقد اخترقت الرصاصة رجله من أحد الجانبين تحت الركبة وخرجت من الجانب اخر، وقد احتكت بالرُّكْبة اليُمنى. من حُسْن حظ الطبيب والمُضمِّدين، لم تتضرّر الأوعية الدمويّة ولم تتكسّر العظام. فقط جندي أطلق النار عليه مباشرة. لم تصطدم أيّة رصاصة ساذجة بحجر معترض لتقفز وتصيبه بالصدفة برجله. في الأسبوع بين 13 و- 20 مايو/أيار أُصيب ثمانية أشخاص من طاقم طبي برصاص حيٍّ، وستّة من شظايا الرصاص، هذا ممّا لم تعلن عنه وسائل إعلامنا وهذا لا يعني أنّه لم يحدث.
بعد أن حلّ الجهاز العسكري للجمهور الإسرائيلي مشكلة مقْتَل رزان النجّار، طرح ورقة رابحة: المُضمِّدة الشابة، كما ادُّعي، صُوّرت وهي تقوم بعمل إرهابي فظيع قبل مقتلها: رمت شيئا ينفث دُخانا، يبدو كقنبلة غاز مسيّل للدموع. احتفل المذيعون وعناوين إعلامنا الشجاع.
يُظْهِر الفيلم القصير الذي عرضه الناطق بلسان جيش الدفاع الإسرائيلي امرأة مجهولة (لم يُظْهر وحهها) ترمي ولمسافة قصيرة قنبلة تنفث دُخانا وقد أعطاها القنبلة شخص آخر. لم يكن أيّ أثر في ذلك المكان لأيّ جندي شجاع قد يُصاب. ما رأيناه ليس إلاّ تدبيرا نموذجيا للفلسطينيين: بدلا من الهروب من قنبلة الغاز التي أطلقها الجنود عليهم، بكلّ بساطة يُبْعِدون القنبلة عنهم، بينما أتُّهِم في الماضي عبدالله أبو رحمه من قرية بلعين بامتلاكه وسائل قتالية، عندما أقام معرضا لمجموعة من قنابل الغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتيّة الفارغة، وهي من القنابل التي يطلقها الجيش لتفريق المظاهرات غير المسلّحة ألتي يقوم بها سكان القرية، بعد أن احتجّوا على إقامة جدار الفصل التي بسببها نُهِبَت أراضيهم. إذا لماذا لا نُعْلِن عن المضمّدة مخرّبة بعد قتلها؟
هآرتس، 9.6.2018
ترجمة: أمين خير الدين