نشر بتاريخ: 14/06/2018 ( آخر تحديث: 14/06/2018 الساعة: 10:18 )
الكاتب: محمد حجازي
بدون أدنى شك أن وضع قطاع غزة بدأ يقلق الكثيرين ليس من جهة موقعه في القضية الوطنية الفلسطينية فحسب، بل من جهة وضعه الإنساني المتردي كما تتحدث الكثير من الأرقام والإحصائيات المحلية والدولية، مسيرة العودة التي حققت الكثير من الأهداف المعنوية وفي مقدمة ذلك التأكيد على الحق العودة، سلطت الضوء على الوضع الإنساني المتردي للقطاع، ولكن المفاعيل الأساسية لمسيرة العودة حدثت على الصعيد السياسي، الحديث المتكرر في البحث عن مشاريع طويلة الأمد أو قصيرة الأمد لقطاع غزة التي يقوم بها العديد من الدول سواء كانت الإدارة الأمريكية أو غيرها من وكلائها في المنطقة، زيارة السيد غرنبلات لقطر ليست بعيدة عن كل هذه التحركات.
كل هذه التحركات التي أتت من بوابة إغاثة قطاع غزة وتقديم حلول إنسانية، ما هي إلاَ ذر للرماد في العيون، لأن هذه التحركات كان يرافقها الكثير من الشبهات السياسية، التصريحات الإسرائيلية والأمريكية تدلل على ذلك، كانت في معظمها مرتبكة ومتناقضة في المجمل، وترتكز على عنوان واحد هو حل المشاكل المتراكمة للقطاع من الناحية الاقتصادية والإغاثية لأنهم يعتبرون ذلك يشكل مدخلا، أولا لإجهاض مسيرة العودة وثانيا ترتيب الوضع القائم للقطاع بمعزل عن القضية الفلسطينية، وهنا تبرز الرؤية الأمريكية منذ بداية عهد ترامب، التي كانت تتحدث عن وحدة البنية السياسية للفلسطينيين من خلال بسط الرئيس أبو مازن سيطرته على قطاع غزة وإزاحة حركة حماس، وبعدها أتى موقف آخر يقول أن الإدارة الأمريكية لا تمانع في بقاء سلاح حماس بعد اتضاح الصعوبات التي تواجه الرئيس أبو مازن في السيطرة على القطاع.
برزت الرؤية الإسرائيلية لتقول ممكن التفاهم مع حركة حماس باتجاه تحقيق هدنة طويلة المدى مع إنشاء بعض المشاريع وفك الحصار عن الحركة، ولكن الأمور لاحقا لم تقف عند ذلك حدث تغير جوهري بعد رشقة الصواريخ التي أطلقها الجهاد الإسلامي من القطاع انتقاما لشهدائه في نهاية شهر مايو الماضي، دخل لاعب هام على معادلة القطاع كما تقول إسرائيل بحيث ترسخ ما يمكن أن نسميه معضلة الجهاد الإسلامي والجبهتين الشعبية والديمقراطية، في الوقت الذي كان يتم الحديث عن ترتيبات هدنة طويلة الأمد بين إسرائيل وحركة حماس برعاية متعددة الأطراف "بحسب الصحافة الإسرائيلية" أطلقت صواريخ الجهاد، ومن هنا أعتقد أن استدارة حدثت في الموقفين الإسرائيلي والأمريكي، السيد غرينبلات مساعد الرئيس الامريكي والممثل الخاص للمفاوضات الدولية كتب مقالا في 10 يونيو الحالي، طالب السلطة صراحة بالعمل لإنقاذ غزة من حركة حماس ولكن على السلطة أن تقبل بالرؤية الأمريكية للتسوية، وفي مكان آخر من المقال قال تصرفات حركة حماس في إطلاق الصواريخ اتجاه البلدات الإسرائيلية لم تنجح سوى في تفاقم الوضع الإنساني في القطاع، وفي المقابل من الجهة الإسرائيلية فشل الكابينت المصغر الذي عقد يوم الاحد الماضي، في الاتفاق بشأن التسهيلات التي كانت تنوي إسرائيل القيام بها لقطاع غزة، أتى تصريح نتنياهو الأخير ليحمل الرئيس ابو مازن مسؤولية ما يحدث للقطاع بل أكثر من ذلك عندما قال ان الرئيس أبو مازن هو سبب انتشار مسيرات العودة في إشارة للإجراءات التي اتخذتها السلطة ضد قطاع غزة، وأعتقد أن تصريح الجنرال عاموس غلعاد من أكثر الجنرالات خبرة بالشؤون الفلسطينية يوم 2 يونيو الحالي هو الاشد وضوحا للموقف الإسرائيلي الحالي عندما قال انه من المهم لإسرائيل ان تحدد عنوانا مركزيا لأي نقاش يجري في أروقتها السياسية والعسكرية هو أنه لن يكون هناك اتفاق أبدا مع حركة حماس، والبديل عن الحديث عن اتفاقيات هو إضعاف حماس أكثر فأكثر طالما هي تسيطر على قطاع غزة.
مما سبق يبدو أنه لا يوجد في الأفق أي حلول لقطاع غزة سواء هدنة طويلة الامد مع إسرائيل أو أي حلول أخرى سواء إنهاء الانقسام واستعادة وحدة مؤسساتنا الوطنية الحل الأقل كلفة بالنسبة لحركة حماس، الحديث عن تقديم حلول إنسانية للقطاع من قبل إسرائيل والإدارة الأمريكية أو من قبل بعض العرب ما هو إلا صفقة سياسية وأكاذيب جوهرها هو تصفية القضية الفلسطينية والمس بوحدة شعبنا.
الذي حدث في دوار المنارة وفي مخيم دهيشة للاجئين وقبل ذلك في أراضينا في الداخل المحتل 48 يدلل أن جماهير شعبنا تعيد الـتأكيد على وحدة المصير كجماعة سياسية واحدة، الشعب يتوحد في الميادين دعما لمسيرة العودة ودعما لقطاع غزة المكلوم وبالتأكيد لن تقف عند حدود ذلك فهناك دعوات لمسيرات مساندة لقطاع غزة وضد إجراءات السلطة الفلسطينية.
الإجراءات العقابية التي اتخذتها قيادة السلطة الفلسطينية ضد قطاع غزة ما هي إلا شكل من أشكال المس بوحدة شعبنا وهي امتداد للانقسام ولسيطرة حركة حماس على قطاع غزة، والذي بالضرورة سيزول لصالح وحدة القضية، واللعب على مشاعر الناس بأن السلطة قد صرفت 17 مليارات على قطاع غزة ما هو إلا تدنيس قذر لمشاعر الشعب الفلسطيني، قد يخرج قائد جاء بالصدفة ليقول مستقبلا أننا نصرف كذا وكذا على أي مدينة او تجمع فلسطيني.
أمام هذا المشهد الصعب لم يبق للفلسطينيين سوى وحدتهم السياسية والتشبث بالأرض وهذا لن يتعزز إلا بإنهاء الانقسام واستعادة وحدة مؤسساتنا الوطنية إلى جانب استعادة الحياة الديمفراطية التي داس عليها الانقسام البغيض.