نشر بتاريخ: 14/06/2018 ( آخر تحديث: 14/06/2018 الساعة: 11:46 )
الكاتب: د.وليد القططي
مع بدء الحراك الشعبي في الضفة الغربية الهادف إلى الضغط على السلطة الفلسطينية كي ترفع العقوبات التي فرضتها منذ أكثر من عام على الشعب الفلسطيني القاطن في قطاع غزة بدأت بعض الأصوات المُضادة في التشكيك في هذا الحراك الشعبي ومهاجمته لا سيما من الفريق المرتبط وجودهم السياسي بالالتصاق بالرئيس واستمرار ممارستهم لفنون التزلف والنفاق وإجادتهم لطرق التسلّق والتملّق ومن هذه الأصوات النشاز من نفى وجود عقوبات على غزة وبالتالي لا يرى داعي لهذا الحراك والمظاهرات، ومنها من اعترض على تسميتها بالعقوبات واستبدلها بالإجراءات، ومنها من شكك في هذا الحراك الشعبي واعتبره مشبوه ويخدم أجندة خارجية... وكان الشيخ بتاع الرئيس أكثر الأصوات جدلاً وأشدها استغراباً؛ ذلك بأنه صوت من أهل غزة- سابقاً- أبى إلاّ أن يكون أكثرها قسوة وأشدها حدة على غزة، وربما كان ذلك بفعل ميكانزم التكوين العكسي الذي يبطن فيه الفرد ما لا يُظهر بطريقة لا شعورية ليتخلّص من القلق والتوتر وعدم الاتزان الداخلي، ولذلك كان المُحرض الأكبر على فرض العقوبات على غزة معتبراً إياها في تصريحه الأخير أنها مصلحة وطنية، وأن الدعوة لرفعها تساوق مع مشاريع تصفية القضية الفلسطينية وتمرير صفقة القرن.
إذا كانت العقوبات المفروضة على قطاع غزة مصلحة وطنية ستجلب الخير على الشعب الفلسطيني حسب رؤية الشيخ بتاع الرئيس، فهل هو من يرى هذه المصلحة فقط دون غيره من أولي الألباب في الشعب الفلسطيني وآخرها الحراك الشعبي في الضفة الغربية الذي يُعبّر عن وحدة الشعب الفلسطيني وتماسكه، ولماذا تختلف رؤيته للمصلحة الوطنية عن رؤية غالبية القوى الوطنية والإسلامية ومؤسسات المجتمع المدني التي طالبت برفع العقوبات عن غزة باعتبارها وصمة عار من الناحية الأخلاقية والوطنية ومساهمة في الحصار الإسرائيلي المستمر على غزة، وكذلك مطالبة غالبية أعضاء المجلس الوطني في دورته الأخيرة واجتماعه الأخير برفع الإجراءات العقابية عن قطاع غزة رغم إسقاط ذلك عمداً من قرارات المجلس الوطني، حتى أن السيد الرئيس محمود عباس أعلن بعد تجديد انتخابه رئيساً أن رواتب الموظفين والمستحقات في قطاع غزة سوف يُعاد صرفها مؤكداً أن تأخر صرفها قد حدث لأسباب فنية، وقد نفى أنه يُعاقب شعبه وأهله في غزة على الأقل من الناحية النظرية.
الدليل على ان العقوبات المفروضة على غزة ليست مصلحة وطنية أنها أتت بنتائج عكسية بخلاف المتوّقع منها وفق رؤية أولي الأمر والقرار في السلطة فإذا كان الهدف منها إنهاء الانقسام فقد ذهبت به نحو تكريس الانقسام وترسيخ الخصام، وإذا كان الهدف منها تحقيق المصالحة الداخلية والوحدة الوطنية فقد ذهبت نحو مزيد من الفُرقة والتشرذم في الساحة الوطنية، وإذا كان الهدف منها إنهاء معاناة الناس في غزة تحت حكم سلطة حماس فقد رسخت معاناتهم وعمّقت مأساتهم وزادتهم فقراً على فقر وبؤساً على بؤس، وإذا كان الهدف الضغط على حركة حماس وسلطتها في غزة لتستجيب لشروط السلطة فالذي تعرّض للضغط والضرر هو الشعب الفلسطيني في غزة عامة وحركة فتح في غزة خاصة وأخيراً حركة حماس وسلطتها. وإذا كان الهدف منها التصدي لمؤامرات تصفية القضية الفلسطينية وتمرير صفقة القرن ومنع انفصال غزة، فقد ذهبت أو كادت بغزة نحو الانفصال وفي ذلك أكبر خدمة لمشاريع تصفية القضية الفلسطينية عبر ما يُسمى بصفقة القرن.
العقوبات المفروضة على غزة ليست مصلحة وطنية، لأنها تعتمد على فرضية خاطئة تنسجم بكل أسف مع نفس الفرضية التي تسير عليها دولة الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني لا سيما في قطاع غزة والتي عبّر عنها أحد وزرائهم في السابق قائلاً "إننا لا نفرض عقوبات على السكان المدنيين إلاّ من خلال دفع هؤلاء للضغط على حماس بإيقاف الصواريخ والهجمات الإرهابية على المدن الإسرائيلية"، وهي نفس الفرضية التي تنطلق منها العقوبات الحالية على غزة بهدف الضغط على الناس غير المسؤولين بغالبيتهم عن حدوث الانقسام وبالتالي يتم معاقبتهم بدون ذنب اقترفوه، وهذا الضغط على الناس مطلوب منه أن يتحوّل إلى ضغط على حماس لتقبل بشروط السلطة في إنهاء الانقسام أو إيجاد أزمة اقتصادية في غزة تؤدي في نهاية المطاف إلى انهيار سلطة غزة بطريقةٍ ما. ولكن ذلك لم يحدث حتى الآن ومن الواضح أنه لن يحدث لأسباب عديدة... ومن الواضح أن سلطة حماس في غزة تتأقلم مع كل الظروف والأزمات وبالتالي لا جدوى من استمرار فرض العقوبات ومزيدٍ من الضغط على الناس وإفقارهم وإذلالهم ولذلك لا خيار سوى العودة للحوار الوطني الجاد للخروج من مأزق الانقسام ومن قبله مأزق أوسلو الذي قادنا إلى الانقسام.