نشر بتاريخ: 15/06/2018 ( آخر تحديث: 15/06/2018 الساعة: 11:49 )
الكاتب: عيسى قراقع
كما ابتدع الفلسطينيون الحجر كوسيلة مقاومة مرتبطا بانتفاضة الحجارة عام 1987، وليدخل الحجر الفلسطيني القاموس العالمي، ابتدع الفلسطينيون في مسيرات العودة في قطاع غزة الطائرات الورقية التي يطلقونها عبر الحدود كوسيلة احتجاج سلمية اربكت المحتلين وأجهزتهم الامنية.
الطائرات الورقية التي حلقت في الهواء وسقطت لتشعل النيران في حقول المستوطنات الاسرائيلية اصبحت خطرا استراتيجيا على دولة الاحتلال النووية والتي لم يعد جيشها الاقوى في العالم ولا ترسانتها الصاروخية الضخمة قادرة على التصدي لطائرات اولاد غزة التي كسرت الحصار ووصلت الى القرى الفلسطينية المدمرة والتي هجر سكانها منها بفعل القوة عام النكبة 1948 ، لتذكر العالم بشعب لاجيء مشرد يطالب بحقه المقدس في العودة الى دياره التي طرد منها.
الاسرائيليون وجدوا انفسهم أمام سلاح جديد يستعمله الفلسطينيون في غزة ، وبدأوا يتحدثون عن ما يسمى ارهاب الطائرات الورقية، حالة قلق ورعب دبت في صفوف المستوطنين لاسيما ان القبة الحديدية الاسرائيلية لا تستطيع اعتراضها، فهي تسير وتنزل وفق قادتها شبان غزة الصغار، انه سلاح ورقي بسيط يتحدى جيشا كاملا مستنفرا على الحدود.
وزير الامن الاسرائيلي وقادته دعو الى قتل الاطفال مطلقي الطائرات الورقية، لم يعودوا قادرين ان يشاهدوا هذه الطائرات التي تحمل في ذيلها بعض المواد المشتعلة البسيطة لتكبد الاحتلال خسائر كبيرة بفعل ما احدثته من حرائق وفزع وهوس في صفوفهم.
أطفال غزة الذين فقدوا طفولتهم يسيرون الى الحدود وأيايديهم فارغة، ولكن هذه الايادي الفارغة اصبحت تخيف جيش الاحتلال، تسخر من قوتهم المسلحة وستراتهم الواقية، تسخر من طائراتهم وغواصاتهم ، أطفال غزة الذين كانت الطائرات الورقية اداة لعب ولهو لهم حولوها الى اداة مواجهة ورسالة إنسانية من شعب يبحث عن حق تقرير مصيره وإنهاء الاحتلال والعيش بكرامة.
الجنون الاسرائيلي ارتكب مذابح وعمليات قتل واسعة بحق السكان المدنيين المتظاهرين وبحق الاطفال، ولأن سلاح الجو الاسرائيلي لم يستطع اسقاط الطائرات الورقية فقد لجأوا الى تصفية الاولاد وإعدامهم وقتلهم دون رحمة، استنفر القناصون وقرر جيش الاحتلال ان كل من يطلق طائرة ورقية يجب أن يدخل في الفوهة والهدف.
يحل عيد الفطر هذا العام ولا زالت الطائرات الورقية الحارقة تملأ السماء، أطفال يبحثون عن فضاء وملعب ومدرسة، اطفال خرجوا من الجنازات الكثيرة ومن الموت اليومي غاضبين متمردين، اطفال يذكرون العالم والعدالة الانسانية أنهم فقدوا بيوتهم وعائلاتهم ويريدون الحياة.
الطائرات الورقية في عيد الفطر تحلق فوق سجن عسقلان ونفحة والنقب وريمون وبئر السبع وايشل، تتوهج امام آلاف الاسرى القابعين في السجون، المحشورين والمعذبين ، تقول لهم لقد وصلنا، وصل العلم الفلسطيني وروح الحرية ومفتاح البيت، وقد شاهد الاسرى وجه المسعفة الشهيدة رزان النجار تتألق على إحدى الطائرات الورقية وقد هبطت كملاك في ساحة سجن عسقلان.
الطائرات الورقية وصلت الى القدس، دارت كفلك سماوي فوق المسجد الاقصى وكنيسة القيامة ، وصلت بلا تصريح او تأشيرة ، قامت الصلاة، اشجار الزيتون خضراء، هواء الكنيسة يحركه هواء المئذنة، والصلاة جماعية جماعية.
الطائرات الورقية التي تحولت من العاب اللهو الطفولية الى تعبير ثوري مزعج للاحتلال حملت أسماء الاسرى والشهداء والجرحى والمعاقين والمبعدين واللاجئين، قضية شعب يرفض الموت ويعشق الحياة، وفي جمعة عيد الفطر تحمل الرد على القناصة والقتلة الاسرائيليين مجرمي الحرب، وتحمل الرد على القوانين العنصرية التعسفية المعادية لحقوق شعبنا الفلسطيني ، وتحمل رد الشهداء الذين اشتعل دمهم في حقول الغاصبين.
في عيد الفطر المبارك ليصنع كل واحد منكم طائرة ورقية ، لها شرايين وقلب وأنفاس وكلمات وصوت وذاكرة، اطلقوها لتعبر السياج والحواجز والابراج المسلحة ، وعندما تعبر الطائرة الورقية يعبر الاحياء معها بأحلامهم المشروعة.
يقول أطفال غزة:
كل عام وانتم بخير
كل عام وبيدكم طائرة ورقية
اطلقوها واتركوها في الهواء
هي تعرف الطريق الى البيت
لها عين في الارض
ولها عين في السماء