نشر بتاريخ: 20/06/2018 ( آخر تحديث: 20/06/2018 الساعة: 11:38 )
الكاتب: عماد أبو عواد
حين ترفع "إسرائيل" بشكل حثيث، شعارها الكبير بأنّها الدولة التي لا تُقهر، وصاحبة أقوى جيش في المنطقة، واستطاعت تثبيت معادلات ردع مهمّة في المنطقة، تهدف من وراء ذلك، إلى تأكيد ضرورة التوصل إلى هدوء تام، يبعث الأمل والراحة لدى المستوطن الذي يعيش فيها، ويستجلب غيره لواحة الأحلام العبرية، كما تصفها القيادات الإسرائيلية.
المعطيات الحقيقية على الأرض، والتي أظهرت القدرة الكبيرة لـ"إسرائيل"، في تثبيت تلك المعادلات، في ساحات عدّة، خاصة في ظل قصفها المتكرر للأراضي السورية، دون وجود ردود سوى تهديدية، سرعان ما تبخرت، إلى جانب الهرولة العربية نحو التطبيع مع الكيان، هذا السلوك الإسرائيلي وردة الفعل العربية، تؤشر إلى عدم إمكانية إخفاء شمس الردع الإسرائيلي، بغربال الوهم العربي.
هي وحدها غزة، رغم ضيق المساحة، وتعقيد الجغرافية المنبسطة ككف اليد، إلى جانب الحصار الغاشم المفروض عليها، لا زالت تُصدّع في جدار الردع الإسرائيلي، يقصف الاحتلال فتقصفه غزة، يضرب فتضرب غزة، رغم الفارق الكبير في الإمكانات، ورغم العمل الإسرائيلي الدؤوب، للخلاص من هذه المعادلة.
وإذا كان تعريف الردع هو الإيحاء للخصم، بأنّ استخدامه أي قوّة سيكلفه رداً كبيراً، ربما يؤدي إلى تدميره والقضاء عليه، الأمر الذي يدفعه للهدوء، وعدم تفعيل أيّ قوّة يمتلكها، فإنّ غزة، وبالحد الأدنى مما تيسر لمقاومتها من إمكانات، وبابتكار وسائل مفاجئة تتواءم مع طبيعة المجريات الحالية في المنطقة، استطاعت أن توحي لصانع القرار، ولعامة الجمهور الإسرائيلي أنّها رغم جراحها، لا زالت العنصر الأهم، الذي يستوجب تعاملاً من نوع آخر، لا يكون فيه الاستعلاء الإسرائيلي، البهار المضاف لطبيعة التعامل، كما حال "إسرائيل" مع دول الإقليم.
ويُمكن تلخيص ما تُحدثه غزة من خرق في جدار الردع الإسرائيلي، بما يلي:
أولاً: تثبيتها معادلات القصف بالقصف والدم بالدم، رغم ادراكها فارق الإمكانات.
ثانياً: دفع "إسرائيل"، إلى التخوّف من الحرب، وما قد تُحدثه من مفاجئات، وصلت إلى حدود تفكير "إسرائيل" بإمكانية اجتياح المقاومة لغلاف غزة.
ثالثاً: ارتفاع الصوت الإسرائيلي المطالب، بضرورة التوصل لحلول مع قطاع غزة، وعدم خوض حرب لا داعي لها، ولن تُغير في حقيقة الواقع المُعاش.
رابعاً: اثبتت وسائل المقاومة البسيطة، كالطائرة الورقية، عُمق الضعف الإسرائيلي، المُتمثل بعدم قدرة المستوطن على التعايش، في واقع شبه استنزافي.
خامساً: بدء التفكير الإسرائيلي، خارج صندوق بقاء الواقع المُعاش في غزة على حاله، فتحقيق الأمن للمستوطن، بات منوطاً بضرورة تغيير النهج الإسرائيلي.
سادساً: بعد عقد على الحرب الأولى على غزة، في العام 2008، باتت المقاومة أكثر صلابة، وأكثر قدرة على مقارعة الاحتلال، ومجهزة بشكل أفضل، وفق التقديرات الإسرائيلية، الأمر الذي يُشير، إلى أنّ غزة، تسير خارج فلك السيطرة الإسرائيلية ومعادلتها التي تمنع من محيطها، حتى مجرد التفكير بمقارعة "إسرائيل".
سابعاً: وهي النقطة الأكثر جوهرية، غزة وعلناً، لم ترفع الراية البيضاء، بل وتؤكد سلوكاً وتصريحاً، بأنّها تتجهز لمعركة أكبر، تجهّزٌ يراه الاحتلال، ويُدرك أنّ فكر مقاومة غزة، يُمثل التهديد الاستراتيجي الأكثر خطراً، في ظل بقاءه صامداً أمام النشوة الإسرائيلية، بعد النجاحات الاقليمية الكبيرة.
ختاماً، في ظل حقيقة أنّ غزة تتألم تحت حصار مُحكم، وهي بطبيعة الحال تخشى الحرب، ولا تُريدها في ظل معطيات كثيرة على الأرض، فإنّ الجانب الإسرائيلي، يفتقد هو الآخر لرؤية واضحة لطبيعة التعامل مع غزة، فما بين حرب يخشاها، وما بين رفع للحصار يتخوّف من مآلاته، بقي صانع القرار في "إسرائيل"، أمام فقدان للرؤية الاستراتيجية في طبيعة التعامل المُفضلة، تجاه القطاع، ولا يخفى من أمام ناظريه، حقيقة أنّ هذه البقعة الصغيرة، لا زالت وحدها، تخرق في جدار ردعنا.