نشر بتاريخ: 23/06/2018 ( آخر تحديث: 23/06/2018 الساعة: 15:18 )
الكاتب: د. هاني العقاد
قبل اسابيع كان الوسطاء يتحدثوا عن الهدوء بالهدوء في غزة لكن التصعيد فرض قواعد جديدة اي معادلة القصف بالقصف، ومع تزايد الحرائق في غلاف غزة والخسائر الكبيرة التي منيت بها حقول المستوطنين بدأ الحديث عن الحرب يتصاعد، هناك اصوات ترتفع داخل اسرائيل تدعو الجيش للدخول في عملية عسكرية جديدة بغزة، بل ان هناك اصوات تدعو للدخول الى عمق قطاع غزة، الحديث عن الحرب هذه الايام يكثر على اكثر من مستوى سواء المعارضة او الخبراء الاستراتيجيين، لكن لا يعني هذا ان الحرب قد تكون اقتربت لان اسرائيل كعادتها تدخل الحرب لهدف سياسي وبموافقة الولايات المتحدة اولا ومن ثمن الهدف الامني واذا حانت فرصة اسرائيل لتحقيق هدفها السياسي بالحرب اعتقد ان الحرب باتت مسألة وقت، أي انه اذا كان الهدف السياسي الذي تريد اسرائيل تحقيقه لم يتحقق بالوساطة اعتقد ان اسرائيل ستحققه بالحرب واعتقد ان الوقت اصبح مناسبا اليوم اكثر من أي وقت مضي لان اسرائيل في حاجة لحرب تعاد من خلالها صياغة جغرافية القطاع على اساس متتطلبات صفقة القرن.
لا اعتقد ان اسرائيل جادة الوصول الي صفقة مؤقتة مع حماس او محاولة مصادقة حماس اليوم والتوصل الي هدنة طويلة الامد تكف فيها اسرائيل الة قتلها عن رقاب المدنيين الفلسطينيين في غزة، الا اذا كانت خطة الهدنة طويلة الامد مدخلا لجلب حماس لصفقة القرن وتوظيف كافة الظروف المحيطة لتحقيق ذلك وفي ذات الوقت تتعامل اسرائيل مع حماس كممثل بديل للفلسطينيين لإدارة غزة وبقاء حالة الانقسام الفلسطيني كما هي واخذ الفلسطينيين للانفصال النهائي في كيانين منفصلين سياسيا وجغرافيا، المهم ان الولايات المتحدة ليست بعيدة عن لعبة اسرائيل بل تتم كل دقائق اللعبة بموافقها وتوجيهاتها واخشى ان كل تلك اللعبة تحبك خيوطها في احدي العواصم العربية، هذا ما يفسر تأجيل الاعلان صفقة القرن لأكثر من مره باعتبار ان التهيئة المطلوبة لم تنجز بعد ولم تنته مهام العرابين الذين يعملون ليل نهار على الجانبين..؟.
من يعتقد ان الهدنة طويلة الامد اليوم هدف اسرائيل السياسي فهو خاطئ فقد بات ذلك وراء ظهر تل ابيب لان المتغيرات فرضت نفسها واصبح العمل من اجل صفقة تفاهمات شاملة تكون مدخلا لصفقة ترامب. لا اعتقد ان اسرائيل يمكن ان تقبل بعقد صفقة مع حماس تعطيها كل شيء حتى ولو دولة مستقلة في غزة دون ان تحقق اسرائيل اهداف استراتيجية كبيرة من وراء ذلك وهي تهيئة غزة لتحقيق صفقة القرن التي تقضي بان تصبح غزة الدولة الفلسطينية العتيدة مع اجزاء من سيناء ومطار وميناء وبالتالي تفشل إسرائيل رفض ابو مازن وقيادة المنظمة للصفقة وتجعل من ذلك كانه لا شيء بل وتعزل ابو مازن بطريقتها وبأدوات فلسطينية.
قبل اسبوعين فقط القناة العبرية 14 قالت ان اسرائيل تراجعت عن شروط نزع سلاح حماس والاعتراف بإسرائيل والموافقة على شروط الرباعية وكذلك عودة السلطة الفلسطينية الى غزة ذلك لابرام هدنة طويلة الامد ورفع الحصار وبررت ذلك الى ان السبب يعود الى التغير الواضح في التعامل مع غزة بعد الموافقة على الفصل بين البعد الانساني والسياسي السيء في غزة والذي يؤدي بإسرائيل لتتراجع خطوة الى الخلف.
ان محاولة العرابين جر حماس الى مربع التفاهمات من جديد يقصد به تجزئة وتفكيك الموقف الفلسطيني وتقسيم الجبهة الفلسطينية الى جبهات يمكن اختراقها تدريجيا دون ان تعترف اسرائيل بالحقوق الفلسطينية كاملة وحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره واقامة دولته على كامل حدود 1967، ولعل اخطر التحديات التي تواجه مشروع حل الدولتين نجاح اسرائيل في خلق كيانين سياسيتين مختلفين كيان غزة واخر بالضفة الغربية وكل هذا يحدث الان بعد فشل كل مساعي انهاء الانقسام الفلسطيني واستعادة الوحدة الفلسطينية وبالتالي توحيد جبهة المواجهة مع اسرائيل وتشكيل حالة ضغط فلسطينية كبيرة على الاحتلال، لعل نجاح اسرائيل في تحقيق اهدافها وجلب حماس الى ما تريد دون حرب يعتبر في حد نظري نجاح استراتيجي منقطع النظير وهذا متوقع واخشى ان مفاوضات ما يمكن ان تكون قد جرت بين حماس والامريكان بوساطة عربية لتحقيق ذلك مستغلين حالة الفراق العميق التي تضرب اعماق العلاقة الفلسطينية الفلسطينية وفي ظل تشيع الوحدة الوطنية الى مثواها الاخير.
لعله بات واضحا ان اسرائيل لديها خطة ما لغزة فإما ان تواجه حماس بالحرب لتفرض فيها معادلة الصفقة الكبيرة والحل على اساس دولة غزة واما ان تحصل من حماس على ما تريد دون حرب وكلاهما خطير، ان ارادت اسرائيل الحرب هذه المرة لن تكون لوحدها بل بدعم امريكي كامل وغطاء عربي شامل وسيكون سقف الحرب هو قبول حماس بالجلوس على الطاولة والقبول بهدنة طويلة الامد وتفكيك القوة العسكرية غير المهددة كالصواريخ وابقاء قوة حماس مجرد قوة شرطية لدواعي حفظ الامن على حدود دولة صفقة القرن، هذا يعطينا تأكيدا ان اسرائيل تريد ان تبقي الباب نصفه مفتوحا للحرب ونصفه مفتوحا للتفاهات التي ستؤدي في النهاية لان تكون حماس البديل الشرعي لمنظمة التحرير والبديل الذي يتعامل معه العالم الجديد، فإما حرب كبيرة واما البدء بصفقة حل على اساس انساني تنتهي بدولة فلسطينية مركزها غزة دون أي حلول للضفة لان الضفة الغربية لتبقي في اطار حكم ذاتي بصلاحيات موسعه مرجعتيه الاردن لفترة زمنية معينة تنتهي بمفاوضات نهائية لإعادة اجزاء الضفة الغربية لدولة صفقة القرن.
هذا نذير للقيادة في رام الله ان اسرائيل وامريكا وبعض العرابين يبنوا على حالة الفراق بين الفلسطينيين لتقدم على اجراءات قيصرية عاجلة لانهاء الحمل الكاذب وبالتالي انهاء مأساة الرواتب بسرعة واعادة حكومة الحمد الله لإدارة الحكم في غزة بأي شكل من الاشكال الى ان تتمكن كليا لتسيطر على الحلول الانسانية لتبقي حلول انسانية، وهنا يصبح دور حكومة الوفاق حماية شعبنا في غزة من الموت والدمار والحرب الذي لن تتورع اسرائيل في ارتكابه لتحقيق اهدافها السياسية التي تهيئ للخطة الأميركية، بالمقابل على حماس الا تهرول لعقد أي صفقات او تفاهمات منفردة مع اسرائيل بذريعة تسهيلات انسانية لتخفيف المعاناة عن سكان غزة دون دفع حكومة الوفاق لتكون عنوان ادارة العملية الانسانية وهنا سينكشف الدور الامريكي بالكامل وتعود امريكا وبعض العرابين عن دورهم الانساني ومع كل هذا يجب ان تعود مساعي انهاء الانقسام بأي شكل كان وتعاد الإرادة للشعب بقبول الطرفين بإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية في اقرب فرصة ليقرر الشعب من سيحكمه ومن سيتولى ادارة شؤنه الحياتية، وعندها تغلق الطريق تماما لأي محاولات امريكية اسرائيلية إقليمية لاستخدام حماس ومعاناة غزة لتحقيق اهداف استراتيجية كبيرة اولها اهداف صفقة القرن.
[email protected]