الأحد: 24/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

الجوع كافر

نشر بتاريخ: 24/06/2018 ( آخر تحديث: 24/06/2018 الساعة: 21:21 )

الكاتب: السفير حكمت عجوري

لم يعد مجديا اي حديث عن الادارة الاميركية وتحديدا الحالية تحت ولاية ترامب سواء اكان بالسلب او بالايجاب بهدف تغيير مسارها تجاه ما ادعاه في مذكراته وزير خارجية اسبق دين اتشيسون بقوله " ان ميثاق الامم المتحدة نسخة مكثفة لفلسفة السياسة الاميركية". وربما كان ذلك صحيح فعلا في مراحل سبقت او صحيح كونه مجرد كلام عاطفي الا ان سياسة الادارة الحالية تثبت في كل يوم انها على العكس تماما مما ادعاه الوزير اتشيسون.
بالتالي فان اي حديث او حتى استجداء بهدف تعديل بوصلة سياسة الادارة الاميركية الحالية تجاه الشرعية الدولية التي تجسدها منظمة الامم المتحدة التي اصبحت عدوا لهذه الادارة فهو غير مجدٍ ومضيعة للوقت.
مضيعة للوقت بكل ما تعنيه الكلمة وذلك بعد ان اتضح ان رئيس هذه الادارة هو قارع للدف وبالتالي لا بد من ان يكون كل العاملين بهذه الادارة راقصين ومهرة، وكل من اثبت من هؤلاء عكس ذلك اصبح خارج هذه الادارة وهي التي اصبحت غير مسبوقة في مجال الطرد لمن لا يتقنون الرقص، يكفي ان نذكر بان قارع الدف المذكور طرد وزير خارجيته تيلرسون من خلال تغريدة.
كتاب النار والغضب لمايكل وولف وبالرغم من كل الحقائق التي ساقها وشهود العيان ذوي المصداقية حول عدم اهلية هذا الرئيس الا انه وللاسف ما زال في موقعه وربما كان ذلك لاسباب قد تكون في علم الغيب لصالح اصلاح الادارات الاميركية اللاحقة وذلك بتحريرها من الاحتلال الصهيوني صاحب الفضل في سوء كل هذه الادارات والذي بلغ الزبى في الادارة الحالية التي تحدت القانون الدولي بل واطاحت به ارضا باعترافها بالقدس عاصمة لاسرائيل وقرارها الانسحاب من عضوية مجلس حقوق الانسان انصياعا لرغبات اسرائيلية وعليه نقول ان رب ضارة نافعة.
الشعب الاميركي بالرغم من انجازاته العظيمة لخدمة الانسانية والتي تُرفع لها قبعات كل شعوب العالم الا ان انسانيته هذه لا تلغي حقيقة انه يفتقر كما بقية شعوب العالم الى جذور تحكمه وتشده لها لتقويته وتمكينه من اجل منع اداراته من كرهها لذاتها الانسانية التي جسدتها في حروبها ضد الانسان على الرغم من اختلاف مسميات ومسببات هذه الحروب حيث بلغت مصاريف اميركا المادية على حروبها 13 في الثلاثين سنة الاخيرة اكثر من 14 تريليون دولار وهذا مبلغ كاف لاسعاد البشرية كلها بشكل عام وليس الشعب الاميركي وحده وذلك لو ان جزءا منه فقط وُظِف لمحاربة اعداء البشرية الحقيقيين وهم الفقر والجهل والمرض.
الشعب الاميركي تمكن من الانتصار على ادارته مرة واحدة في حربها ضد فيتنام الا انه بعد ذلك اصبح عاجزا عن ضبط الوحشية التي تمارسها اداراته ضد البشرية دونما تفسير لهذا العجز غير عدم تجانس هذا الشعب كونه مجموعات بشرية مهاجرة من بقاع مختلفة من العالم استوطنت ارض الهنود الحمر بعد ان ابادتهم وكانوا بعشرات الملايين، الامر الذي يفسر كيف لشخص فاقد الاهلية مثل ترامب ان يصل الى رئاسة هذا الشعب وهو اي ترامب الذي سبقته سمعته غير الاخلاقية وسياسته غير الانسانية التي تجلت مؤخرا بفصله اطفال بينهم رضع عن ذويهم بزعم انهم من المهاجرين غير الشرعيين.
لا غبار على انسانية الشعب الاميركي التي جسدتها الصحفية الاميركية المشهورة راشيل مادو التي لم تتمكن من قراءة الخبر الذي وزعته الاسيوشيتد برس حول موضوع المهاجرين واخذت تجهش في البكاء وهي تشاهد صور الاطفال في ملاجئ اعدتها لهم ادارة ترامب في جنوب تكساس، وهم يصرخون يريدون امهاتهم واباءهم الذين طردهم ترامب من اميركا التي هي اصلا بلد المهاجرين بزعم انهم غير شرعيين وربما كان لفلسفة الهجرة واغتصاب ارض الاخرين هذه هي من شكلت وحدة حال بين اميركا واسرائيل وكانت سببا في انحياز الادارة الاميركية غير الاخلاقي مع اسرائيل.
طبعا يضاف الى ذلك كله الابتزاز الرخيص الذي مارسته الادارة الحالية ضد الدول الفقيرة على لسان سفيرتها لدى الامم المتحدة وهي اي هذه السفيرة ابنه لعائله جاءت لاميركا مهاجرة من اقليم البنجاب الهندي اسمها الاصلي نيمراتا وهي سيخية الديانة الا انها اصبحت نيكي هيلي مسيحية وخادمة مطيعة لاسيادها الجدد من الصهياينة المسيحيين.
في ظل هذا كله لا بد لذوي الالباب من اهلنا العرب من التعامل بحذر شديد مع هكذا رئيس وليس الانزلاق والجلوس في حجره والاستسلام لرغباته واوامره واعطائه كل ما في جيوبهم، وذلك بمجاراته ان كان التعامل معه شر لا بد منه حتى يحين موعد انتهاء فترة رئاسته التي حلت على العالم كاسوأ كابوس سياسي فرض نفسه على العالم ولمدة اربع سنين وذلك حتى لا ياتي وقت بدون ترامب لا ينفع فيه الندم وهو واضح ان هذا الوقت صار قريب وربما كان في طرد المتحدثة باسم البيت الابيض من مطعم في اميركا لكونها تعمل مع ترامب حادثة لا يمكن اعتبارها عابرة.
اما ما يعنينا كفلسطينيين وهو الاهم في الزمن المتبقي من عمر ادارة ترامب هو ضرورة اعادة حساباتنا حتى لا نجد انفسنا ضحايا لهذه الادارة التي لن تتركنا بسلام ونحن الهدف التي تصوب له كل سهامها بحكم اننا اصحاب الارض التي هي بصدد بيعها للحركة الصهيونية، حيث ان قطع العلاقات مع هذه الادارة وهجرها وهجر ديارها لهو سيف ذو حدين في ظل وجود الانقسام والعقوبات على جناح فلسطين الجنوبي والتي اعتقد انها جاءت في الوقت الخطأ جدا كونها تخدم عكس ما أُريد لها.
حماس الطامعة في الحكم واستبدال التمثيل لمنظمة التحرير لا يمكن لها ان تحقق طموحاتها هذه في ظل استمرار الولاء الغزي العارم لمنظمة التحرير ورئيسها والذي يستدعي من كل من يرى في هذا الولاء كما اراه درعا واقيا للمشروع الوطني ان يعمل على وقف العقوبات واعادة المرتبات للموظفين في غزة فورا قبل ان ياتي وقت لا ينفع فيه الندم تتلاقى فيه مصالح حماس مع مصالح اسرائيل والادارة الاميركية الحالية التي لا حد لطغيانها ومباركة ودعم عربي وهذه كلها تشكل الخلطة السحرية لانجاح ما يسمى بصفقة القرن وذلك بطبخها على نار الحالة الغزية التي اصبح الوضع الانساني فيها يطغى على الوضع السياسي شاء من شاء.
ختاما لا بد من التأكيد على ان مقاطعة الادارة الاميركية الحالية لا محالة مطلب وطني فلسطيني ومثمن كونه يساهم في تعرية هذه الادارة اخلاقيا الا انها وبالرغم من ذلك ستتحول الى سيف قاطع واولى ضحاياه المشروع الوطني الفلسطيني في ظل استمرار الانقسام والعقوبات على غزه حيث ان الجوع كافر.