الأحد: 24/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

في نقد "نقد المقاومة الشعبية"

نشر بتاريخ: 25/06/2018 ( آخر تحديث: 25/06/2018 الساعة: 12:07 )

الكاتب: حيدر عيد

برزت في الآونة الأخيرة بعض الأصوات الفلسطينية النشاز جعلت كل مهمتها إدانة أي محاولة جدية لمقاومة إسرائيل كمشروع استعمار استيطاني يمارس أشكال متعددة، ومركبة، من الاضطهاد ضد كل مكونات الشعب الفلسطيني. وآخر شكل من أشكال هذا الاضطهاد يتجسد بفرض حصار إبادي على قطاع غزة تمت إدانته من جميع منظمات حقوق الإنسان الرئيسية، حتى الإسرائيلية منها، كما تم وصفه من قبل خبراء قانونيين على أنه "مقدمة لإبادة جماعية"، و"إبادة تدريجية". ومن المعروف أن الإبادة هي أكبر جريمة ضد الإنسانية تبعاً للقانون الدولي. وبالتالي أي محاولة لكسر هذا الحصار تأتي في إطار المقاومة المشروعة.
ولكن خرجت بعض الأصوات "لمثقفين/ات" يمينيين/ات كل همها إدانة محاولة أبناء وبنات غزة كسر هذا الحصار متعدد الأوجه، وأمعن البعض منهم/ن في الوقوع في فخ التنميط الصهيوني العنصري واعتبار أن كل غزة، 2 مليون مواطن، هي حماس! وبالتالي فإن حصارها مبرر. كذلك من المعروف لأي متابع أن إسرائيل تقوم بمحاولات مستميتة لربط مسيرة العودة الكبرى بحركة حماس فقط، وإنكار طابعها المدني والشعبي. وهذه تهمة عنصرية لا ترى أي إمكانية لوجود مجتمع مدني في غزة، ناهيك عن عدم قدرة فلسطينيي غزة على القيام بأعمال مقاومة شعبية فعالة، فالفلسطيني إما "إرهابي متطرف" أو "معاد للسامية".
ولكن أيضاً من الملفت للنظر ان هناك خلط بين مبدأ المقاومة التي يقوم بها الشعب الفلسطيني بكل فئاته، في قطاع غزة بالذات، والتي لا تقل عن المقاومات الباسلة في دول عانت من الكولونيالية والأبارثهيد والاستعمار الاستيطاني، ومحاولة البعض احتكار التضحيات والإنجازات لصالح أجندة حزبية ضيقة. أضف لذلك السؤال المحوري لما- بعد-الاستعمار عن العلاقة بين الحرية والتحرير (مع الإقرار بوجودنا تحت بساطير الاحتلال).
البعض من هؤلاء المثقفين/ات يكيل المديح لإنجازات حركة المقاطعة في الخارج على أساس أنها حركة "أجنبية" يقودها بعض "الخواجات" المتضامنين معنا متناسين أن المقاطعة هي شكل من أشكال التضامن يتبناه الحلفاء مع القضية استجابة للنداء الفلسطيني، بمعنى أنها حركة فلسطينية ببعد أممي.
فرانتز فانون أبدع في تشخيص أولئك "المثقفين" الذين لا يتوقفون عن الاعتراض على كل أشكال المقاومة دون تقديم أي بديل للتحرير من الاستعمار. وصفه لكيفية تبني بعضهم لخطاب المستعمر، حتى دون وعي، من أجمل ما كتب. بل أنه تحدث بإسهاب عن تماهي خطاب "المثقف" ابن البلد مع خطاب المستعمِر. فمثلاً قام بعض الانهزاميين الأفارقة باتهام مانديلا بإرسال أبنائهم للموت عندما دعاهم للنضال ضد التفرقة العنصرية، كذلك اتهم بعض السود الأمريكان مارتن لوثر كينغ ومالكوم إكس بنفس التهمة، أي أنهم تبنوا رواية السيد العنصري الأبيض.
ليس من الغريب أن بعض اللذين يبدون معارضة حادة لحركة البي دي أس ومسيرة العودة الكبرى اللتان أعادتا للعودة قيمتها النضالية وينتمون لهذه الفئة من "المثقفين/ات" يتبنون أيديولوجية مناطقية إقصائية أيضاً، أيديولوجية طبقية ترى أن مصالح الطبقة التي تمثلها هي المشروع الوطني الفلسطيني، وبالتالي فإن أي محاولة لتخطي هذا المشروع، كما تعرّفه، هي إما "طخ في الهواء" أو مغامرة غير محسوبة. فنحن "لا نستطيع مقاطعة إسرائيل"، وبعض المسيرات لن تجبر إسرائيل على تطبيق قرار الأمم المتحدة 194، وما يحصل فقط بالقرب من السلك الشائك يخدم أجندة حزبية ...إلخ
ما لا يأخذه هذا المنطق الانهزامي بعين الاعتبار أن تاريخ حركات المقاومة ضد الأبارثهيد والاستعمار بأشكاله المتعددة، من جنوب أفريقيا إلى إيرلندة الشمالية والهند والجزائر، لم يسجل هزيمة طوعية للمضطهِد. ستستمر حركة البي دي أس حتى تحقق أهدافها في الحرية والعدالة والمساواة، ستستمر أشكال المقاومة الشعبية الأخرى بما فيها مسيرات العودة حتى تطبيق قرارات الأمم المتحدة. قد يخفت اللهب أحياناً ويزداد أحياناً أخرى، لكن الرؤية واضحة على الرغم من كل محاولات التشويش الديماغوجية.