السبت: 23/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

محمد صلاح.. إختنق بأحلامنا

نشر بتاريخ: 26/06/2018 ( آخر تحديث: 26/06/2018 الساعة: 15:30 )

الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام

كتبت هذه المقالة قبل إنطلاق المونديال ودوري مباريات كأس العالم، ولكن الأصدقاء المقربين نصحوني بعدم نشرها كيلا أستبق الأحداث. وقد ندمت لأنني لم أنشرها من قبل.
دعايات كبيرة أرهقتنا وأزعجتنا، اعلانات أكثر من اللازم ضغطت على أعصاب اللاعبين وفتحت عيون السياسيين، دعايات سياسية وعنصرية رخيصة أكثر منها رياضية جعلتنا ننظر الى كأس العالم على أنه حرب عالمية جديدة ( وهو بالمناسبة أجمل حرب عالمية، تتنافس فيها الكفاءات وتغرق في أنهاره الشعوب وتنتصر وتنهزم من دون نقطة دم واحدة). ولكن الفرق هذه المرة "مثل كل مرة" أن العرب لديهم مشكلة في الكميات اللازمة لإنضاج أية طبخة. فيزيدون الملح ويقل الماء ونحصل على وجبة لا يمكن تحمّل مذاقها. ويكثر الطبّاخون ويعج المطبخ بكل من هبّ ودبّ.
وقيل في هذا المقام : محمد صلاح يحمل أحلام مئة مليون مصري واّمال 320 مليون عربي !!! والحقيقة أن هذه مهمة ثقيلة على أي مواطن وأي صحفي وأي سياسي واي زعيم وأي عالم وأي نجم. ثم من الذي قال إن محمد صلاح يرغب في ذلك أصلا ؟ ومن قال إن محمد صلاح يستطيع ذلك ؟
نحن الذين قلنا لأنفسنا ذلك وأجبرناه على القبول. رغم أنه شاب محترف يريد أن يلعب كرة قدم وحسب، ولا شأن له بأحلام الحكومات ومخططات الإعلاميين والتجّار وأصحاب شركات النقل والبضائع المستوردة. ولا شأن لمحمد صلاح بالحكومات والعلمانيين والمتدينين والوهّابيين والناصريين وغيرهم.
حصل مع محمد صلاح ما حصل مع الشيخ الألباني محمد علي باشا عام 1836 الذي أحب مصر وتحدى الخليفة وإبتكر فكرة الدولة العربية الواحدة، وكلما أذكر انه أنهى حياته في مستشفى الأمراض العقلية أشفق على حال العرب. وحصل أكثر مع جمال عبد الناصر الذي إختنق تحت وطاة أحلام العروبة ويشهد العالم كلّه أن عبد الناصر كان من أعظم قادة العالم، لكنه لم يصمد أمام براكين احلامنا. ولا يزال هذا يحصل مع كل نجم وكل قائد وكل مبدع عربي.
محمد صلاح لاعب موهوب ومحبوب ومبدع ومؤمن وعلى خلق حميد. إكتشف الانجليز ( ليس العرب ) موهبته في نادي ليفربول. وحين يعود ليلعب هناك سوف يتألق أكثر ويبدع أكثر لأن الانجليز الذين وصفوه بالملك الفرعوني لم يطلبوا منه تحقيق احلامهم السياسية والايديولوجية.
منذ الاّن بدأت أفكر بقلق في بطولات الاولمبياد العالمي. ولماذا لا يحصل العرب على ميداليات ذهبية ولا برونزية ولا فضية!!!! لماذا نمضي كل حياتنا نطلق النار على بعضنا البعض وفي الأفراح والأعراس ونشتري الأسلحة بمئات المليارات ولا نصيب الهدف ولا مرة واحدة، وفي مسابقة إطلاق النار تفوز فتاة هولندية عمرها عشرين عاما بالمدالية الذهبية؟ لماذا تملأ الأشعار كتب المناهج عن الخيل والليل والبيداء، وفي مسابقة ركوب الخيل تفوز طفلة إنجليزية بالميدالية الذهبية ؟ لماذا نعبر البحر سباحة ونهاجر الى قارة اوروبا وفي مسابقة السباحة يفوز شاب روسي؟
لماذا يمشي قادة المنتخبات العربية مثل الجنرال رومل قبل معركة العلمين، وموكب حراسة أكبر من موكب الملكة اليزابيث، وحين نحصل على المرتبة الأخيرة في المصارعة والملاكمة والركمجة بين كل شعوب العالم نجد ملايين التغريدات على تويتر وملايين التعليقات على الفيس بوك تتهم الحكم وتشتم الأجانب وتبقى صورة قادة المنتخبات العربية على الصفحات الملوّنة الأولى وتتسابق الكاميرات لبث كلامهم "العميق" رغم أنهم تسببوا بغرقنا في أعماق المحيط !!!
طيب على الأقل اهربوا بسرعة.. وأحصلوا على المدالية الذهبية في الركض. أركضوا. أهربوا. وهاتوا أية ميدالية.
جوع حسي مريض لأي انتصار، وبأية طريقة. دون جدوى.
العيب ليس في محمد صلاح. العيب في جهات أخرى.