الثلاثاء: 26/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

في مدينة البشارة..

نشر بتاريخ: 02/07/2018 ( آخر تحديث: 02/07/2018 الساعة: 12:30 )

الكاتب: رامي مهداوي

شعور غريب، مربك، وربما أكثر من ذلك لدرجة تصل فقدان جميع الحواس مرة واحدة عندما تتواجد في مكان تعرفه فقط من خلال الأصدقاء ووسائل الإعلام والكتب، دون مقدمات أكتب لكم هذا المقال وأنا أتنفس هواء مدينة الناصرة التي أزورها للمرة الأولى!!
تنفست التاريخ من المنازل التي مازالت حجارتها شاهد على الماضي، وتنفست أيضاً الوطنية الفلسطينية من أهلها الذين يتحدثون معك من جذور الكنعانيين بأرضهم وطائر الفينيق في سمائهم؛ على الرغم من اقحامهم بالعديد من موجات التعرية ومسح الذاكرة واستبدالها بلغة جديدة بالتالي تغيير التربة والتربية لمصلحة المشروع الإستعماري؛ لكن من حاول ذلك لم يعلم بأن الجذور لا تتغير وانما تتجدد في النمو والعطاء.
أتحدث مع صاحب أحد مقاهي الناصرة في محاولة مني لمعرفة أوضاع المدينة؟! لأكتشف بأنه بنك من المعلومات التي لا تجدها بالكتب، لأخرج بنتيجة _قد أكون مخطئ_ بأننا قمنا بالتركيز على توثيق النكبة الفلسطينية من منظور اللاجئ الفلسطيني ولم نتناول ملحمة الصمود لمن تجذر بالأرض، على الرغم من وجود العديد من الكتابات التي تناولت المراحل المختلفة ما بعد ذلك.
الممتع في ذلك الحديث بأننا ذهبنا الى ما أبعد من النكبة لنصل الى الملاك جبرائيل الذي بشر مريم العذراء بسيدنا عيسى عليه السلام وانتقلنا الى ظاهر العمر الزيداني، وبعد كل الأحاديث الممتعة أصاب في الصدمة!! كان المحزن لي عدم معرفة ذلك البنك المعلوماتي عن أبسط المعلومات في فضاء الحيز الجغرافي للأراضي الفلسطينية عام 1967!!
وحتى أكون صادق مع ذاتي أولاً وأخيراً، إن ما بين زيارتي لأول مرة هذه المدينة وما بين فقدان المعرفة لصاحب المقهى لأبسط المعلومات عن الضفة الغربية تكمن العديد من الإشكاليات التي لا يجب المرور عليها مرور الكرام، وربما هي بحاجة الى مساحة أكبر من هذا المقال.
بالتأكيد الأمور نسبية من حيث المعلومات في المخزون المعرفي لدى الفضاءات الفلسطينية المختلفة المتمثلة في فلسطينيين ال" 48 و 67" والشتات، وهذا يتطلب من الكل الفلسطيني خطوات سريعة بالعودة الى جذور التاريخ والإنتقال الى حملات توعية بأساليب مختلفة في بعض المفاصل المهمة في العصر الحديث ثم إعادة انتاج المعرفة بالواقع الحالي المعاصر.
الناصرة جعلتني أنظر لمساحات ربما لم أكن أكترث بها كما يجب، لكنها أيضاً أعطتني جرعة من الأمل بأن الوجود الفلسطيني والتّجذر كل في موقعه هو من أهم أدوات النضال التي تعمل على نقش إطار القضية الفلسطينية منذ تعاقب الغزاة عليهامن الفرس، الاغريق، الرومان، البيزنطيون، الصليبيون، المغول، العثمانيون، البريطانيون، لهذا فإن هذه المدينة أعطتني البشارة بأن مغتصب أرضنا سيرحل أيضاً...