نشر بتاريخ: 09/07/2018 ( آخر تحديث: 09/07/2018 الساعة: 14:29 )
الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام
لم توضح بعدْ مراكز الدراسات العربية كيفية ظهور داعش في بعض الدول واختفائها في دول اخرى. بشكل عميق ومتفق عليه بحيادية علمية. فقد إستند غالبية الكتّاب والحكومات على عناوين الصحافة العبرية والامريكية والغربية في فهم وتحليل الظاهرة.
الحكومات العربية خافت من الظاهرة وإتكأت على أية مصادر تخدم مصالحها لصّد قوة المسلحين والذود عن عروشها. أمّا اليسار، فقد إحتار، وتردد. ثم حسم أمره سياسيا ولم يحسم أمره ثقافيا مع أنه يفترض العكس، أن يحسم أمره ثقافيا ويتردد سياسيا.
تجربة داعش في العراق كانت أقوى وأكثر دموية وتعقيدا عنها في سوريا، ومع ذلك لم يقف المثقف العربي عندها بما يكفي. فيما حظيت تجربة داعش في سوريا باهتمام إعلامي أكبر كإنعكاس للاهتمام السياسي.
وفي خارطة التوزيع، نجد تجربة داعش في العراق وسوريا والاردن ومصر ولبنان وليبيا والجزائر واليمن والسعودية وتونس والمغرب وحتى من حملة الجنسية الاسرائيلية.
ولقد ساد الانطباع منذ البداية أن الولايات المتحدة الأمريكية متورطة في هذه المذابح سواء بالدعم المباشر أو من خلال التقارير الإستخبارية المضلّلة أو من خلال الصمت او بمنع التوصل لحلول. ولكن الجهات التي تملك الإثباتات على ذلك هي في الغالب جهات عربية رسمية وتخشى البوح عن الأرقام والحقائق ما جعل المثقف العربي عاجز عن الوصول الى الحقيقة المثبتة. فقد كانت هناك مؤامرة لنقل القتال الى الجزائر ولكن المخابرات الجزائرية والدولة السياسية هناك نجحت في منع ذلك في اّخر لحظة.
ولم يعد هناك أية حاجة للبحث من أجل إثبات تورط عواصم دول عربية غنية شاركت في تسليح مجموعات مسلحة يصل عدد البعض منها الى عشرات الاف المقاتلين، وهي ألوية وأجنحة تحظى بحماية مالية وعسكرية وسياسية وإستخبارية، ويمكن هنا العودة الى تصريحات وزير الخارجية القطري السابق حمد بن جاسم للتأكد من تورط هذه الدول العربية في اللعبة الدموية.
كما أثبتت السنوات السابقة أن دولا إقليمية معروفة بالاسم استغلت (الاسلام السياسي) في تحطيم الجيوش العربية وإقامة كتائب وميليشيات عبر حدودها المفتوحة على الوطن العربي وشاركت في لعبة ذبح العرب لأنفسهم بسكاكين الولاء للأجنبي أو خناجر الخوف من الشقيق.
بالعوامل الذاتية فقط لم يكن ظهور داعش ممكنا، وبالعوامل الذاتية فقط كانت هزيمة داعش مستحيلة. ولكن وبسبب العوامل الخارجية مثل الخلافات الخليجية - الخليجية. وتحطّم الحزب الديموقراطي الامريكي وفوز ترامب، وفوز السيسي في الانتخابات، وإنتباه الاردن الى المؤامرة ضدها، وتغير المعادلة في ليبيا، وقدرة الجزائر على السيطرة على حدودها، ودور لا يمكن إغفاله للمثقفين والأحزاب في تونس والمغرب، وقوة بأس الرئيس الروسي بوتين وقرار خوض المعارك في سوريا بجنود روس والظروف الداخلية في تركيا وايران.. وقع المستحيل وإنقلبت كل الطاولة.
ترامب حاول عرقلة هزيمة داعش في العراق، وفعل المستحيل من أجل عدم انتصار الجيش العراقي في تكريت وغيرها، ولكنه عاد وغدر وخان المسلحين المتمردين في سوريا وتركهم في مرمى المدفعية السورية فهربوا الى حدود الاردن حتى أغلق الملك حدود المملكة. وسارعت اسرائيل الى نصب مدافع على حدود الجولان وهددت المسلحين اذ يحاولون الاقتراب من الحدود. فإنهارت جبهاتهم وسلّموا الاسلحة.
الجهات الأمنية تقدّر عدد المسلحين المتمردين في جنوب سوريا بعشرة الاف مقاتل، يتواجدون الان على الحدود دون سلاح ودون مأوى أو هربوا الى المجهول يبحثون عن مكان جديد.. وبعد فشل المخطط الامريكي الاسرائيلي بإدخالهم الى الاردن، يبقى السؤال : إلى أين تريد أمريكا أن تنقلهم الان؟ هل تنقلهم الى ليبيا؟ الى سيناء؟ هل يتسلّلون الى السعودية ويعودون إلى مسقط رأسهم؟ إلى لبنان؟ أم تكون هناك صفقة امريكية تحت أرضية لنقلهم الى اليمن للمشاركة في المعارك هناك؟
إن قوة إنتباه مصر الاّن للمؤامرة التي يطبخها ممولو المقاتلين ستقرر قوة النيران في سيناء.. لان سيناء واليمن وليبيا والسعودية والاردن ولبنان هي ساحات مفترضة لنقل المسلحين اليها (بشكل شرعي أو من خلال التهريب) وبداية فصل جديد من فصول الدم والنار في هذه المنطقة.