السبت: 08/02/2025 بتوقيت القدس الشريف

صيف ساخن في عمان

نشر بتاريخ: 03/08/2018 ( آخر تحديث: 03/08/2018 الساعة: 11:36 )

الكاتب: نضال منصور

صيف ساخن في عمان، لا تصنعه درجات الحرارة، إنما تشعله الأزمات. لا تكاد تهدأ أزمة حتى تنفجر أخرى. كل يوم يفتح الناس أعينهم على جملة من الأحداث والأخبار والشائعات.
عمان، المدينة الوادعة، لم تعد كذلك. غدت مجتمعا تسرقه النميمة، في ظل سطوة غير مسبوقة لوسائل التواصل الاجتماعي.
في كل لحظة قصة وحكاية، ومهما امتلكت الحكومة من ناصية الإفصاح والشفافية فلن تستطيع اللحاق بما يحدث. هنا، تتصدر الفنانة أحلام أول القصص. أينما ذهبت تثير العواصف والأقاويل، وهذا يزيد أحلام نجومية وهي التي تطلق على نفسها لقب "الملكة".
كانت عمان على موعد مع أحد أفلام "الأكشن" التي تنتجها في حلها وترحالها، فحين وصولها للمشاركة في مهرجان جرش ذائع الصيت أقلتها، على خلاف كل نجوم المهرجان، سيارة "بنتلي رولز رويس" من المطار الى فندق الرويال. هناك كانت بانتظارها فرقة "زفة" موسيقية للترحيب بها على أبواب الفندق، وفي استقبالها سيدة قيل إنها وزيرة الثقافة لتضع على كتفيها الشماغ الأردني.
حتى هنا ربما تبدو القصة مألوفة لفنانة تملك الملايين من الدولارات، وتتباهى بمجوهراتها الماسية ولباسها المرصع بالأحجار الكريمة. لكن "السوشيل ميديا" ضجت بحملات الاستنكار، وأول الاستهجان كيف تقف الوزيرة لتنتظر فنانة على باب الفندق، وكيف توشحها بشماغ الفخر والعز؟ غمز المغردون بأن هذا التصرف لا يليق. لم تنفع كل البيانات التي صدرت عن مكتب وزيرة الثقافة نافية بأن الوزيرة كانت في استقبالها.
لم تنته القصة مع أحلام، فقبل رحيلها التقطت لها صورة وهي تتوجه لزيارة مدينة البتراء، إحدى عجائب الدنيا، وهذه المرة تستقل مروحية تابعة للجيش الأردني. أثار هذا المشهد موجة غضب واستياء جديدة عند الشارع الذي تساءل برفض.. هل يعقل أن تستخدم فنانة طائرة الجيش، رمز عزتهم وكرامتهم الوطنية لتذهب إلى البتراء؟!
ورغم ما قاله مدير هيئة تنشيط السياحة الأردني عبد الرزاق عربيات بأن أحلام استأجرت الطائرة ودفعت 5 آلاف دولار بالساعة نظير استخدامها، إلا أن الانزعاج والتندر تزايد، مما اضطر الجيش لإصدار بيان توضيحي حازم ليهدئ من الأزمة.
لم تسكت أحلام؛ وتعليقا على تغريدة للنائب الأردني طارق خوري الذي دافع عنها وأكد أن زيارتها للمدينة الوردية البتراء سيكون لها أثر إيجابي قالت إنها استأجرت الطائرة من حسابها الخاص، ولو طلب منها أن تذهب مشيا على الأقدام لفعلتها.
شخصيا، لا أرى ما فعلته أحلام خادشا للكرامة الوطنية، وسواء أحببنا هذه الفنانة أو اختلفنا معها فإن الملايين يتابعونها ويمشون خلفها، وهذا يفيد البتراء ويروج لها.
قصة أحلام جاءت قبل أن تنتهي الحكومة من تطويق قضية "الدخان" التي لا تزال تداعياتها مستمرة، وما تزال قوات الأمن والدرك تداهم كل يوم مزارع ومصانع جديدة للدخان غير مرخصة.
وفي هذه الأثناء، وقعت حادثة الاعتداء على "شرطي سير"، وبث فيديو يظهر الاعتداء الوحشي على شرطي المرور أثناء "فاردة" أي موكب سيارات لعرس أغلق الشارع.
يحظى رجل الأمن وخاصة شرطة المرور بتعاطف المجتمع الأردني، وما زاد من حملة التضامن معه هو الشائعات التي سرت بأن أول المعتدين يعمل بالتشريفات الملكية، ويرتبط بعلاقات قربى مع متنفذين في أجهزة الأمن، وهو كلام افتقد للتوثيق والدقة، وبادر العديد من النشطاء إلى التأكيد بأن المعتدي لا يعمل بالتشريفات الملكية، وإنما في مجلس الأعيان، والأهم أن المعتدي يتحمل وزر أفعاله، ولا يجوز أن تنسحب المشكلة والإدانة على عائلته وعشيرته.
زار رئيس الوزراء عمر الرزاز شرطي المرور المعتدى عليه بالمستشفى، وأكد أن لا تهاون مع من يعتدي على رجال الأمن، وأن الحكومة لن تقبل بالتنازل عن سيادة القانون وتطبيقه، وأوقف المدعي العام إثر ذلك المتهمين على ذمة التحقيق.
ربما يبدو مألوفا لمن يعمل في الإعلام اقتناص الأخطاء وتسليط الضوء عليها، غير أن ما تفعله "السوشيل ميديا" أنها تعلق "أعواد المشانق" من دون محاكمات، وتكفي الشائعات عند بعضهم لإصدار أحكام الإدانة والإعدام.
وهذا كان محور نقاش كنت ضيفه على البرنامج الحواري الأكثر شهرة "نبض البلد" والذي يبث على "قناة رؤيا" حول الأخبار الزائفة والكاذبة وتلفيق الاتهامات للشخصيات العامة.
قلت في هذا البرنامج، الذي شاركني فيه الحديث الإعلامي مالك العثامنة، إن "وسائل التواصل الاجتماعي ليست وسائل إعلام محترفة تتبع معايير مهنية ومدونات سلوك، وتلتزم بالموضوعية والمصداقية والتوازن، وعرض الرأي والرأي الآخر، وهذا لا يعفي بالطبع المستخدمين من المسؤولية القانونية والأخلاقية إن أشاعوا معلومات مضللة، ومسيئة، وكاذبة بحق الشخصيات العامة".
والمعروف في الدول الديموقراطية أن مساحات النقد مهما كان قاسيا بحق الشخصيات العامة تتسع دائرتها، ويضيق حقهم بالتذرع بالخصوصية وحرمة الحياة الشخصية.
في غفلة الأخبار المزعجة غاب الاهتمام بزيارة رئيس الحكومة الأردنية إلى صاحب "الكشك" الأشهر في وسط البلد في عمان، حسن أبو علي، الذي يبيع الصحف والكتب ويرتاده كل الناس وأبرزهم السياسيين والمثقفين منذ عقود.
حسن أبو علي صاحب "كشك" الثقافة العربية، الذي زارته الملكة رانيا زوجة العاهل الأردني قبل سنوات وما زال حتى الآن يعلق صورتها أعلى "الكشك"، له حكايات وأسرار كثيرة تستحق أن تروى عن مسيرته وعلاقاته، وربما أهمها حين كان يبيع الكتب "الممنوعة" لقادة وأعضاء الأحزاب السرية المحظورة قبل عودة الحياة الديموقراطية في الأردن عام 1989.
قبل أن يعود الملك إلى الأردن يوم الأربعاء الماضي، طغت لأول مرة على "السوشيل ميديا" أسئلة عن غيابه في إجازة خاصة، بدأت بعد زيارة رسمية لأميركا في شهر حزيران الماضي شارك خلالها في الملتقى الاقتصادي في "صن فالي"، وقد اعتاد أن يشارك به في السنوات الأخيرة.
ما زاد من حدة الأسئلة والتكهنات ربط الغياب الملكي بضغوط يتعرض لها الأردن ليقبل بتنازلات "صفقة القرن"، وحين سألني مقدم برنامج "نبض البلد" محمد الخالدي عن وجهة نظري في أسئلة جمهور "فيسبوك" و"تويتر" عن سفر الملك، أجبت بوضوح "الملك يسافر بإجازة خاصة دورية كل عام في هذا الوقت، ولا غرابة في الأمر تستدعي كل هذه التأويلات والتفسيرات، وسفره وغيابه مرتبطان بضوابط حددها الدستور لم يتم تجاوزها أو الخروج عنها".
وتابعت القول إن "المعيب أن يتلقف البعض تقريرا صحافيا إسرائيليا رخيصا لتبدأ تساؤلاتهم وشكوكهم".
لم ينته صيف عمان، ولا نعرف ما هي المفاجآت التي تنتظرنا في الأيام القادمة، والمؤكد أن أهل عمان بعد "السوشيل ميديا" تغيروا عما قبلها، وكل يعاين هذا التغيير من منظوره القيمي!