نشر بتاريخ: 05/08/2018 ( آخر تحديث: 05/08/2018 الساعة: 12:15 )
الكاتب: شاهر سعد
أمين عام اتحاد نقابات عمال فلسطين
بتاريخ 10 تموز 2018م زرت متحف "ياسر عرفات" مع السيدة (كاثرين بيسكر Catrain Biscer) مسؤولة فريق العمال في منظمة العمل الدولية، التي زارت فلسطين من 10 – 13 تموز 2018م، وخلال تجوالي مع الضيفة الأممية، بدأ شريط ذكريات العمل الصاخبة مع "ياسر عرفات"، يمر من أمام ناظري مقطعاً مقطع، بدءاً من مقابلتي الأولى له في العاصمة المصرية القاهرة مروراً بلقائي النادر معه في بغداد، ومن ثم تونس وأخيراً غزة ورام الله.
ياسر عرفات، مفجر الثورة الفلسطينية المعاصرة وباعث كفاحها المجيد، وقائدها على مدار 50 عاماً من العمل التنظيمي السري والعسكري والسياسي المتواصل، وباني مشروع السلطة الوطنية الفلسطينية وباعث أمل بناء الدولة، هو نفسه الذي تحول بكل مكوناته الشخصية والكارزمية إلى قائد ومرشد وعنوان للكفاح الوطني الفلسطيني، مشكلاً بذلك ظاهرة فريدة ترقى لمراتب الظواهر العالمية المماثلة التي صنعها كفاح الشعوب المقهورة، ليقف بكل بفخر وتميز إلى جانب (هوتشي منه ونلسون مانديلا وباتريس لوممبا وغاندي وجمال عبد الناصر وسيمون بوليفار وتشي جيفارا وفيدل كاسترو)، وغيرهم من رموز وأيقونات الكفاح الوطني للشعوب التي تلظى أجساد روادها بسياط الاستعمار.
لينتج عن ذلك صناعته الفريدة لوطن محمول على الاكتاف جمع الشعب الفلسطيني حول منظمة التحرير الفلسطينية.
كما مكن الفلسطينينون من البقاء ومواجهة عوامل الحذف والشطب بقوة واقتدار، ما أفشل مخططات الأعداء لجعل فلسطين أرضاً بلا شعب، ليتوج كل ذلك بتأسيس السلطة الوطنية الفلسطينية وعودة 500 ألف لاجىء من المهجر إلى الوطن؛ بدلاً من طرد 500 ألف مواطن من الوطن إلى المهجر، وإلحاقهم بجموع اللاجئين والنازحين خارج الديار.
لياسر عرفات مكانة راسخة في ذاكرتي ووجداني لن تتمكن الأيام من تخفيف بريقها، أو تخفيض قوة وهجها الذي يمدني بالطاقة والعزم عندما تدلهم الخطوب، ياسر عرفات الذي قابلته للمرة الأولى عام 1990م، بعد أن أتصل بي السفير المصري في إسرائيل "محمد بسيوني"، وطلب مني ملاقاته في مكتب الأخ "إبراهيم قراعين" في القدس الشريف، وأخبرني بأنه مكلف بإخباري بأنني مدعو للسفر إلى القاهرة لمقابلة "ياسر عرفات" مع قادة فلسطينيين آخرين منهم الأخوين فيصل الحسيني وسري نسيبه، وعضو الكنيست العربي عبد الوهاب درواشة، الذي كان يحمل مشروعاً من "إسحاق رابين" للرئيس عرفات. متمحور حول ضرورة قبول القيادة الفلسطينية دخول المفاوضات بوفد أردني فلسطيني مشترك.
وبالفعل بعد إنهاء الترتيبات اللازمة من قبل السفارة المصرية مع إسرائيل توجه الوفد الفلسطيني إلى مطار اللد ومن هناك سافر إلى القاهرة، وكان المرحوم عرفات بانتظارنا، لقد كان اللقاء الأول لي معه، واعتقد بأن باقي الزملاء باستثناء فيصل وسري، كانوا على نفس الحالة، أمضيت ربع الساعة الأولى من اللقاء وأنا تحت وقع الصدمة، صدمة لقاء المناضلين برمزهم وقائدهم الأسطوري المجهول بالنسبة لهم، والذي ظهر أمامهم فجأة بكامل قوامه الممتلىء باللحم والدم.
انتبه الرئيس عرفات لحالة الذهول التي أصابتني، فبدأ بمداعبتي ليخبرني بأنني في علم ولست في حلم، وكان لمبادرته هذه أثر مهم، لقد لامست يده الطاهرة وجهي وأنزلي من شرودي إلى حيث أجلس قبالته وجها لوجه، هكذا بدأ اللقاء السياسي الحميمي والتنظيمي الأبوي المعبأ بالدفء والولاء.
فوجه لنا ما يريد من أسئلة، وجاوب كل منا في مجال اختصاصه، وسألنا عن رأينا بالتحديات التي تواجه المنظمة في ذالك الوقت، واستمع لوجهة نظرنا حول ذلك، وخاصة حول المقترح الداعي إلى أن يكون الوفد الفلسطيني شريكاً لوفد أردني، أو أن يكون وفداً خالصاً من شخصيات الداخل المحتل، فأخبرناه بأننا نتمسك بـ م.ت، ف، كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، لقد سره ما سمع منا كثيراً، واطمئن إلى أن كل محاولات إسرائيل وأمريكيا لفصل الداخل عن الخارج قد ذهبت أدراج الرياح.
أما أنا فسألني كثيراً ومطولاً عن أحوال الحركة النقابية الفلسطينية، وعن أحوال عمال وعاملات فلسطين، فأجبته بما يجسد الحقيقة المجردة بين يديه، وهكذا فعل باقي الزملاء، وأوصاني بالشباب والعمال والنقابات خيراً.
اليوم بعد مرور ثمانية وثمانون عاماً على ميلاده وأربعة عشر عاماً على اسشهاده، ما زلت اتحسس ريحه الطاهر يطوف من حولنا ويده تلامس جراح الجرحى، ويدعو للشهداء، ويمنح قلبي ما يحتاجه من قوة ليبقى خفاقاً باسم فلسطين راجياً لم شمل الإخوة كما أراد "ياسر عرفات".
رحم الله ياسر عرفات، وأسكنه فسيح جناته بجوار الأنبياء والشهداء والصديقين وكتب لنا رؤيته بجوار الجبيب محمد صلى الله عليه وسلم.