نشر بتاريخ: 19/08/2018 ( آخر تحديث: 19/08/2018 الساعة: 17:59 )
الكاتب: السفير حكمت عجوري
بدون شك فان مصدر القلق الاسرائيلي وتحديدا شامير في الذهاب الى مؤتمر مدريد في سنة 1991 كان بسبب شعار المؤتمر "الارض مقابل السلام" حيث كان الانسحاب من سيناء مع انه جاء على المقاس الاسرائيلي الا انه كان اقصى ما يمكن لليمين في اسرائيل الاقدام عليه في مجال التنازل عن الارض على اعتبار ان الارض ما بين النيل والفرات هي ملك صهيوني وحلم ما زال قائما والذي لا يمكن تحقيقه في ظل وجود نظام عربي متماسك موحد وقوي.
مؤتمر مدريد جاء في ظل وضع عربي متهالك ومفكك نتيجة الغزو العراقي للكويت وهو ما شجع الاسرائيليين تحت قيادة شامير في حينه في عدم الاذعان بداية للدعوة الاميركية التي تحولت الى تهديد اميركي مما اجبر الاسرائيليين على الحضور الذي كان حضورا شكليا وخاليا من اي التزام من جانب الاسرائيليين خصوصا وان اسرائيل كانت في وضع يسمح لها بالاملاء كونها التزمت بعدم الرد على الصواريخ العراقية ابان حرب تحرير الكويت.
الأمن من اجل السلام او السلام من اجل السلام هو ما تبحث عنه اسرائيل كونها بفضل ذلك فقط تحقق مبتغاها في الحفاظ على الارض المسروقة وفي نفس الوقت على تفوقها العسكري على كل المنطقة وربما لغاية ما تصل اليه طائراتها الحربية كما قال شارون في يوم مضى.
هذا النوع من السلام الذي هو وليد للغطرسة الصهيونية هو في حقيقة الامر دعوة للاستسلام في ظل ميزان قوى في منطقة ما زال يميل فيها وبشدة لصالح اسرائيل خصوصا بعد الدمار المقصود الذي احدثه ما اطلق عليه جزافا الربيع العربي كونه كان مجرد غطاء لما هو في الحقيقة الفوضى الخلاّقة التي صنعتها كوندوليزا رايس وزيرة خارجية الرئيس بوش الابن كوسيلة لتدمير الدول العربية بأدوات محلية بعد ان تكبدت اميركا خسائر باهظة في مباشرتها في تدمير الدول كما حصل في العراق وافغانستان.
اتفاق اوسلو بالرغم من اجحافه كثمن بخس للثورة الفلسطينية المعاصرة وما قدمه الشعب الفلسطيني من تضحيات من اجل استعادة حقوقه في الارض وفي السيادة الا ان هذا الاتفاق والحق يقال انه كان افضل الممكن في ظل هزيمة النظام الرسمي العربي وانهيار الحليف السوفياتي لصالح انتصار معنوي لاسرائيل خصوصا وان هذا الاتفاق كان من المفروض ان يفضي الى اقامة دولة فلسطينية بعد انتهاء فترة تعايش تجريبية اطلق عليها انتقالية وذلك في شهر مايو 1999 ، كما انه كان سيحقق رغبة القيادة الفلسطينية في وقف التغول الاستيطاني الذي كان وما زال هاجس القيادة الفلسطينية، كيف لا وهذا الاستيطان على وشك تحقيق حلم شارون بتدمير اي امكانية لاقامة الدولة الفلسطينية التي اقرتها الشرعية الدولية وتحديدا قرار التقسيم 181. هذه المكاسب المتوخاة من هذا الاتفاق كانت دافعا للقيادة الفلسطينية بتوقيعها عليه وهي التي رأى فيها اليمين الصهيوني تهديدا وجوديا لمشروعه الامر الذي بسببه قام بوأد هذا الاتفاق في المهد باغتياله لصانع هذا الاتفاق رابين في نوفمبر 1995.
وهذا ما اقر به النتن ياهو في كتابه مكان تحت الشمس في سنة 1993 من ان اتفاق اوسلو يهدف لتدمير دولة اسرائيل وطالب الاسرائيليين بتدميره قبل ان يدمرهم وهو ما استجابوا له باعادة انتخابه لاربع دورات والخامسة على الابواب.
هذه المقدمة هي تذكير لقيادة حماس التي نراها تنجر ولاهداف حزبية ضيقة لتقع في فخ هذا اليمين الصهيوني الذي ما زال يحكم اسرائيل وكانها لا تتعظ من كل ما جرى وهو الذي لم يدخل في ملف الذاكره بعد، كوننا ما زلنا نعيشه ونتوجع من تداعياته وتحديدا في ما توشك حماس على فعله وهو الفصل النهائي لغزه واقامة كيان مسخ لا يتسع حتى لساكنيه بدليل ان منفذه البحري في قبرص ومنفذه الجوي في سيناء.
التهدئة مقابل التهدئة وحتى القصف مقابل القصف كونه لم يعد قصف مقابل التحرير لا يوجد له اي تفسير سوى الحفاظ على سيطرة حماس على غزه وبأي ثمن على اعتبار انها ستكون الطرف الثاني في عقد مع اسرائيل.
اذ لم تعد تنطلي على احد كل محاولات حماس في تبرير ما تفعله بحجة رفع المعاناة عن شعبنا الغزي الذي لا ننكر انها معاناة فوق طاقة البشر والتي لم يكن لها ان تكون لولا الانقلاب الحمساوي الاسود والذي افرز سوء ادارة لغزة من قبل من ليس لهم اي علاقه لا بوسائل الحكم ولا بوسائل توفير العيش الكريم لشعبنا الغزي الذي سرقت حماس كل استثماراته في النضال والصمود التي ما زال يلقن بهما دروسا لكل العالم.
نعم للتهدئة من اجل وقف مسلسل الموت الذي تنفذه اسرائيل كوسيلة بطيئة لتطهير عرقي للفلسطينيين حيث هي مطلب وطني وانساني من اجل الحفاظ على الانسان الفلسطيني وصموده كصاحب حق لا يسقط بالتقادم ولكن الف لا لتهدئة من اجل مكاسب حزبية رخيصة تمنح اسرائيل اسلحة جديدة من اجل تدمير المشروع الوطني الفلسطيني ولكن بأسلحه فلسطينية هذه المرة.
اتفاق التهدئة بين حماس واسرائيل سيكون بمثابة ظهور طرف فلسطيني ندي اخر مما سيمكن اسرائيل من استغلال ذلك لخدمة مشروعها ليس فقط في فصل الضفة عن غزة، ولكن في اقامة دولة فلسطين في غزة وهو اساس صفقة العصر وجزء اساسي من الحلم الصهيوني الذي طالما اعتبر ان غزة خارجه من جغرافية وديمغرافية هذا الحلم، الامر الذي يستدعي فلسطينيا وبإلحاح الحجرْ وطنيا على اي جهة توقع مع اسرائيل كند بديل عن منظمة التحرير الفلسطينية ومهما كانت الاسباب والدوافع حتى ولو كانت بسبب الغياب المؤقت لبعض الفصائل الفلسطينية الاصيلة عن جلسات مؤسسات هذه المنظمة كما حصل في اجتماعات المجلس المركزي الاخير قبل ايام في رام الله.
ان حل المعاناة الانسانية لشعبنا في غزة هي حق وواجب وطني وهي مسؤولية السيد الرئيس بالدرجة الاولى في كونه قَبِلَ في ان يحمل امانة ولي الامر منذ ان تم انتخابه رئيسا من قبل اغلبية الشعب الفلسطيني وعهدُنا به انه لم يتنكر ابدا لهذا الواجب بل وعلى العكس ما زال يقر بتحمله لهذه المسؤولية في كل تصريح وفي كل خطاب له يؤكد فيه على تعهده بذلك ولكن وله كل الحق في ان ذلك لن يكون قبل ان يتمكن من ان يمارس دوره كرئيس فعلي لشعبنا في غزة، بمعنى ان تتساوى مسؤولياته بقدرته الفعلية على الحكم واتخاذ القرار وحماية هذا القرار وتطبيقه وهو التفسير الشرعي والقانوني للسلطة الواحدة والقانون الواحد والسلاح الشرعي الواحد.