الخميس: 28/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

تعلمت منه الحب..

نشر بتاريخ: 26/08/2018 ( آخر تحديث: 26/08/2018 الساعة: 18:24 )

الكاتب: رامي مهداوي

هذا المقال ليس رثاء للروائي العربي السوري حنا مينه، وأيضاً ليس دراسة أكاديمية للرواية العربية بنموذج رواياته؛ بقدر ما ستكون مساحة هذا النص عبارة عن اعترافات عشتها في نصوصه الروائية ليس كقارئ فقط، بل _وهنا أول إعتراف_ كنت أتقمص دور الأبطال أثناء القراءة!!
بداياتي معه كانت في رواية "المستنقع" كنت أعيش معه تفاصيل التفاصيل ما جعلني آخذ طرق سريعة في حياتي وتحويل ما أقرأه الى تجربة ثم الى وعي بالممارسة، ذلك ليس بالأمر السهل أن تعيش في عالم حنا مينه وبين الواقع الذي تعيشه بشكل يومي، فدخلت عوالم روايات مينه مبكراً لتتشرب لغتي وفكري وسلوكياتي الكثير من هذا الروائي.
تعلمت كيفية الحديث مع المرأة من خلاله، وشرب الكونياك بالتزامن فنجان قهوة أو مع وجبة سمك، تعلمت السباحة على ظهري في المساء لمشاهدة النجوم، أذكر بأني كنت أذهب الى بركة السباحة حتى أقوم بذلك وأضحك على ذاتي بأني استبدلت البحر بسبب عدم امكانية الوصول له ببركة سباحة ثم أتخيل بطل الرواية الذي يسبح بهذه الطريقة!!
مفهوم الحب والرجولة ومعنى المرأة والبحر في عوالم روايات حنا مينه هي بالأساس منبثقة من واقعية ما عاشه من ظروف قاهرة؛ جعلت منه الإنسان الذي يبحث عن السعادة البسيطة المستندة على الثقة بالمستقبل والتأكيد على أن هذا المستقبل المتفائل يمكن إنجازه من خلال النضال الاجتماعي والتضحية والتجربة.
لن أستطيع تلخيص كل انتاجات هذا الروائي العظيم؛ إلا أنني قد أنجح في التعبير عن ذلك من خلال هذا الوصف: عندما تكون عطشان ولا تمتلك الماء فالخيارات التي أمامك هي إما أن تشتري ماء وإن لم تكن تمتلك المال فتسأل أي شخص أن كان بإمكانه أن يعطيك مال لتشتري به أو يقدم لك جرعة ماء، وكذلك أيضاً عندما تكون جائع ولا تمتلك طعام فالخيارات أمامك هي إما تشتري طعام وإن لم تكن تمتلك المال فتسأل أي شخص أن كان بإمكانه أن يعطيك مال لتشتري به أو يقدم لك وجبة طعام، لكن إن كنت بحاجة الى الحب فلن تستطيع أن تشتريه حتى لو امتلكت المال وأيضاً لن تستطيع أن تسأل أي شخص ان كان بمقدوره أن يعطيك وجبة أو جرعة حب... لن تستطيع..
أما الرواية التي يجب أن تقرأ له، فأقول وبكل قوة هي الرواية التي عاشها الروائي منذ طفولته، لأن من يجهل كيف عاش حنا مينه سيجهل عمق ومغزى ما يريده، حتى نهاية هذا الرجل الشجاع كانت غامضة بطريقة متقنة. ففي 17/8/2008م، وهو قد شارف الخامسة والثمانين من عمره كتب وصيته بخط يده ونشرها على الملأ، ومنذ ذلك الوقت كل عامين أو أكثر تخرج الإشاعات عن موته، نعم لم يتم تسليط الضوء على وفاته وكأن قلب حنا مينه مازال ينبض في قلوب جميع الشخصيات التي رسمهم بكلماته وهذا ما كان يريده بأن وهبهم جميعاً قلبه.
*هذا المقال إهداء لجميع شخصيات عوالم روايات حنا مينه.