الجمعة: 29/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

التهدئة والمصالحة في سياق الجدل والأولوية

نشر بتاريخ: 28/08/2018 ( آخر تحديث: 28/08/2018 الساعة: 17:33 )

الكاتب: د.أحمد الشقاقي

أجمعت وفود الفصائل التي شاركت في مباحثات القاهرة التي سبقت العيد والتي رعتها مصر كذلك بعد العيد، على أنها ذاهبة لتحقيق تهدئة ومصالحة، وخلال مداولات النقاش ظهرت جدليات جديدة تضاف إلى سلسلة الطلاسم المثارة بين النخب السياسية الفلسطينية.
وما بين جدل الأولوية والجهة الشرعية طفت إلى السطح خلافات جديدة لا تتعلق بفحوى النقاشات وإنما بشكلها وصاحب التمثيل فيها حتى وإن كان ذلك على حساب استمرار المعاناة بفعل الحصار أو التهديد بالعدوان والحرب.
إن تتبع مسار حوارات المصالحة الفلسطينية يجعل الآمال في تحقيقها موضع شك، بعد أن فشلت جولات واتفاقات موقعة في إنهاء الانقسام، وخاض قطاع غزة خلال فترة الانقسام ثلاث حروب، وتمكنت المقاومة من تغيير موازينها العسكرية، وغيرت من قواعد الاشتباك مع الاحتلال وضربته بشكل نوعي، وتمكنت من تحقيق اختراقات حقيقية على صعيد المواجهة العسكرية المباشرة معه، وأعقب هذه الحروب اتفاقات وقف إطلاق نار برعاية مصرية وما جرى عام 2014 كان بالتأسيس على تفاهمات 2012.
من الخطأ أن يراهن البعض على انفجار الحالة الميدانية في غزة قبل الذهاب لتوقيع اتفاق تهدئة، خصوصاً إذا كنا نتحدث عن معركة بذات الحيثيات التي عاشتها غزة في عدوان 2014، ومن الاستخلاصات المهمة التي تعلمتها المقاومة أن تحمى حاضنتها الشعبية وأن تناور بأوراق القوة التي تمتلكها بشكل يمكنها من مراكمة الانجاز، والواقع الميداني الذي فرضته خلال الأسابيع الأخيرة وفق معادلة القصف بالقصف يؤكد أن قيادة المقاومة جاهزة ومسئولة.
الأغرب في سياق النقاش المحتدم في الصالونات السياسية الفلسطينية أن يحاول البعض الزج باتهام إدارة المقاومة لمفاوضات التهدئة وكأنها مخاض لاتفاق سياسي مع الاحتلال، هذه الأصوات تحاول في ذات الوقت الادعاء بأن إجراءات الحصار على غزة تأتي في سياق وطني للمحافظة على المشروع الوطني، أما الحفاظ على دماء شعبنا فهي خيانة طالما لم تأتِ في سياق عناوين الشرعية المزعومة!
اتفاق المصالحة العام الماضي والذي لم يكتب له النجاح وقف أمام حجر التمكين، وأدرك الوسطاء والمتابعون أن الدعوة للتمكين أصبحت وصفة للتهرب من استحقاقات المصالحة خاصة وأن الحديث عن ملف سلاح المقاومة ملغوم ويرفضه الشارع الفلسطيني قبل الفصائل، لكن المتغير الجديد هذه المرة والذي أضافه الإبداع الشعبي الفلسطيني هو مسيرة العودة التي أربكت حسابات الاحتلال وجعلت الرهان على خروج الناس في وجه حماس بغزة بعيد المنال، بعد أن انفجر الشباب الثائر في وجه الاحتلال على طول الحدود الشرقية للقطاع.
من حق البعض أن يتساءل عن مصلحة المبعوث الأممي في السعي الحثيث لتحقيق التهدئة، لكن هذا لا يعني أن ذهاب المقاومة لتقديم هدوء مقابل هدوء مع الاحتفاظ بحق الرد ودون الالتزام بأثمان سياسية أنها تعيد تجربة التسوية التي خاضتها منظمة التحرير الفلسطينية. كذلك فإن تحقيق تهدئة في غزة لا يعني شطب المصالحة من جدول الأعمال الفلسطيني، فما المانع بأن نذهب جميعا في ظل حالة الهدوء لترتيب البيت الداخلي الفلسطيني؟
إن ما توصلت إليه تحضيرية بيروت من دعوة لانتخابات المجلس الوطني وانعقاده بالخارج يُمكن الجميع من تجاوز أزمة الانقسام بشكل حقيقي، بعد أن فشلت بوابة الحكومة في تحقيق التوافق خاصة وأن خلاف البرامج السياسية هو جوهر الخلاف الداخلي. وعليه فإن التخوفات التي يبديها البعض من مسألة الترتيب: المصالحة أولاً أم التهدئة ليست جدية، إن توفرت إرادة وطنية لتجاوز الانقسام وليس لاستغلال العدوان للضغط على الأطراف الداخلية لتقديم تنازلات سياسية.
من المهم تحقيق المصالحة الفلسطينية اليوم قبل الغد، وهي ليست خياراً وإنما مصلحة وطنية يجب تحقيقها والتمسك بها، أما ما يجري من محاولات لتوفير حالة هدوء ميداني مع دولة الاحتلال وتحسين الظروف الاقتصادية في القطاع فهي محطة ضمن سياق الصراع المستمر مع دولة الاحتلال والتي ستنتهي في اللحظة التي يقوم بها العدو بأي اعتداء.
خلاصة القول: يمكن أن نذهب لتحقيق المصالحة الفلسطينية إن فعّلنا مسار منظمة التحرير وشاركت القوى السياسية جميعها في هذا الإطار الوطني، وذهبنا باتجاه انتخابات للمجلس الوطني بعيداً عن منطق الاستفراد في الهيئات الوطنية وإلغاء الآخر وفق قواعد الشراكة السياسية، ولا يمكن الادعاء أن المصالحة ترفض التهدئة أو العكس، لكن التخوف الحقيقي من استمرار التذرع بالمصالحة وجولاتها المستمرة لمواصلة الضغط والابتزاز على حساب معاناة وآهات المحاصرين في قطاع غزة.