الجمعة: 29/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

ملاحظات على لقاء السنوار

نشر بتاريخ: 02/09/2018 ( آخر تحديث: 02/09/2018 الساعة: 11:56 )

الكاتب: عبد الرحمن شهاب

اللقاء الأخير لقائد حركة حماس في غزة يحيى السنوار، مع الكتاب والمثقفين، حمل رسائل محددة كان يودّ إرسالها للعديد من الجهات، فقد جمع من يعتبر أن لهم قلمًا يصل أو يتابعه متلقو الرسالة. كان اللقاء يتمحور حول ما وصلت إليه التطورات فيما يتعلق بموضوع المصالحة الفلسطينية والتهدئة مع الاحتلال، وكل ما سوى ذلك من حديث فهو من متطلبات النقاش، حيث كان الحضور متعطشًا للمزيد من المعلومات ويريد أن يتأكد من بعض المواقف، كما أن البعض كان يحاول الدخول إلى عقل السنوار وإلى نمط حياته (على سبيل المثال، سأل أحدهم مازحًا: أين كنت يوم التصعيد الأخير؟ وكان جوابه "في بيت عادي، ليس في أيّ نفق").
في تقديري، إن الرسائل التي كان يريد السنوار إيصالها قد وصلت، إلا أن هناك بعض الناس يضعون أنفسهم في طريق الرسالة التي ليست لهم، لأنهم يريدون أن يسمعوا ما يروق لهم لا ما يجب أن يسمعوه، وفي تقديري فإن جميع الفلسطينيين الذين تلقوا الحديث عن القوة العسكرية لحماس والمقاومة واستغرقوا في نقاشها، بل أضافوا خيارات إسرائيلية لمواجهة قوة المقاومة، لا أدري إن كان قد ناقشها الجنرالات الإسرائيليون أنفسهم؛ هؤلاء وضعوا أنفسهم في محل الأجهزة الأمنية الإسرائيلية والوزراء الإسرائيليين، الذين من المفترض أن رسائل التهديد موجهة لهم، وإن الرسالة وقوة التهديد كانت تهدف لردع العدو عن اللجوء لخيار الحرب وتفضيل الترتيبات، وإن كان هناك جزء من هذه الرسالة موجه للداخل فإنما يهدف للتطمين، ان هذا السلاح ثقيل ولا يمكن التخلي عنه بأيّ حال من الأحوال، لأنه أصبح كنزًا يجب أن يحفظ في يد مَن يؤتمن عليه، وهم من وجهة نظر السنوار "مجلس وطني وحدوي وأمين، ويُشكل من أهم عقول من الشعب الفلسطيني بأسماء نزيهة ووطنية وغيورة وأمينة على الحق الفلسطيني"، كما أنه حذر من أن تسليم هذا السلاح للسلطة يعني تسليمه للاحتلال، وأضاف بأنه لا مشكلة لدى حماس باعتبار أن هذا السلاح لن يكون له حاجة بعد إقامة دولة على حدود 1967، رغم ان رؤيتها تختلف، لكن هذا خيار الحد الأدنى الذي تقبل به كإجماع وطني.
أما رسالة التهدئة والمصالحة، فتقديري بأنها كانت مدوية، وأكبر دليل على ذلك القلق الذي بدى على بعض الفلسطينيين الذين لا يروق لهم أن يرفع شبح الحرب عن أهل غزة، فضلًا عن قلقهم من أن يشاركهم الفقراء جيوبهم المتخمة بحصة غزة المسلوبة، وهناك قلق آخر بدى على من يسيئهم أن تخرج غزة من عنق الزجاجة.
أما الرسالة غير المقصودة، والتي لم تصل ولن تصل لمتلقيها عن طريق وسطاء، فهي الانطباع عن سلوك قائد فلسطيني، والاطلاع بين ثنايا كلماته عن حيوية الإدارة وليونة الماكنة التي تعمل، وطاقته المتدفقة وعقله المتابع لكل التفاصيل وقدرته على انتقاد نفسه، فلم ينقل أحد من الحاضرين ذلك، لقد بدى معترفًا بكل تقصير قد يخطر على بالك عن الفساد الإداري، فعندما يعتبر حماس مسؤولة عن 50% من آثار الحصار و50% تقع على الحروب والعوامل الخارجية، ويعتبر أنه كان بإمكان إدارة سليمة أن تخفف من معاناة الناس؛ فهل من قائد فلسطيني اعترف بهكذا حجم من الاخفاقات؟ أما عنه كشخص، فقد كان ملمًا بكل ما يدور حوله، ابتداءً من تقرير حسين الشيخ لأبي مازن عن لقائه مع رئيس "الشاباك" نداف أرغمان، حيث تعمد الأخير تزويده بمعلومة مختلقة زاعمًا فيها بموافقة حماس على بناء مطار لغزة في إيلات! كما أنه يتابع كل ما يُتداول على الشبكات الاجتماعية، مرورًا بالتقارير عن الفقر الذي أوصل حالاتٍ إلى التجارة بالأعراض، وانتهاءً بالتدقيق شخصيًا في الترجمات المنقولة عن الإعلام الإسرائيلي، فهو أحيانًا لا يكتفي بالترجمة العربية، بل يطلب النص العبري. يشار إلى أنه درس "تاريخ الشعب اليهودي" باللغة العبرية خلال اعتقاله.
إن الحيوية والطاقة التي يتمتع بها السنوار، والتي ظهرت جليًا خلال اللقاء، تدلّ على أن الرجل متقد لا يتوقف، فقد بدأ الاجتماع معنا بعد الانتهاء مباشرة من لقاء آخر كان قد استمر 4 ساعات، وقد بدأ لقاءه معنا في الوقت المحدد بالضبط (الساعة 5 مساءً) قبل أن ينتهي وفد اللقاء الأول من المغادرة، واستمر لقاءه معنا 5 ساعات، توقف 20 دقيقة فقط لصلاة المغرب عندما أوشك دخول وقت العشاء، وبعد لقائنا عليه أن يعود لمكتبه لقراءة التقارير اليومية التي تقارب 200 صفحة.
لقد كنت قريبًا منه 20 عامًا في السجن، ولم أكن أتوقع أنه بقي يتمتع بتلك الطاقة، خصوصًا بعد تلك العملية الجراحية التي أجريت له في الرأس، لكنني كنت أعرف أنه رجل مؤسسة ورجل وقاف عند الخطأ بالضبط بمقدار ما يملك من يقين بالأفق، فلا يشعرك بأي تردد، وليس عنادًا؛ بل بالقدرة على الإجابة عن كل سؤال والاستجابة لكل فرصة والرد على كل تهديد، ناهيك عن السكينة التي يتمتع بها عند الحوار.
أما عن الأحاسيس والشعور الأخلاقي تجاه عذابات المواطن وآلامهم وقدرتهم على التحمل، فهو قائد يعيش كما يعيش جموع الناس، لقد كان ممّا صرح به بحرقة عندما سُئل عن الأموال التي وزعتها حماس من لحمها الحي على العائلات المحطمة، فأجاب بأنه شخصيًا قبل العيد اضطر لاستلاف 300$ من راتب شهر 4 الذي تصرفه حماس له، بعد أن قطعت السلطة راتبه كأسير محرر، مضيفًا بأنه محظوظ كونه حصل عليها فيما عائلات كثيرة لا تجدها، وهو لم يتوقف عن الحديث عن الألم الذي يسكنه جراء حصار الاحتلال والسلطة للمواطن في غزة، لقد قال بالنص "إن قوة حماس لا تساوي شيئًا أمام جوع الناس"، وأكد على أنه "لا بقاء لمقاومة دون التفاف شعبي"، وقد أشار إلى أنه غير قلق على حركته ولا على المجاهدين ولا على المقاومة، ولكن "الاحتلال والسلطة يمسكوننا من يدنا التي توجعنا، وهو المواطن"؛ ولذلك فقد حصر هدفه القريب والأساسي بـ "كسر الحصار"، ورسالته البالغة لأهل غزة "وليقل من يريد أن يقول ما شاء وليتهمنا من يتهم ما شاء ... نحن حركة مقاومة ولن نعترف بهذا العدو ولن نفاوضه إلا بالبدلة العسكرية ... لقد قررنا أن نرفع هذا الحصار بعز عزيز أو بذل ذليل، لن يوقفنا دون ذلك لا عدل عادل ولا جور جائر ... هذا الحصار سيُكسر، لن أقول غدًا ولكن في القريب، وأهلنا في غزة سيعيشون بكرامة ... لا نريد وعودًا بسنغافورة وغيرها، نريد أن نوفر احتياجات شعبنا ليعيشوا بكرامة دون ان يتكففوا الناس".