الجمعة: 29/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

حماس تعود إلى نقطة الصفر

نشر بتاريخ: 02/09/2018 ( آخر تحديث: 02/09/2018 الساعة: 11:57 )

الكاتب: شفيق التلولي

المتأمل في تصريحات السيد يحيى السنوار الأخيرة وارتفاع حدة وتيرة خطابه يدرك أنه لا انفراجة قريبة على أي صعيد، فلا هدنة ولا مصالحة، وسيبقى الحال على ما هو عليه، وستستمر حماس في سياسة شد الحبال وعض الأصابع مع إسرائيل من خلال تسخين جبهة الحدود وتسمين مسيرات العودة، وربما يصل الأمر إلى إطلاق رشقات صاروخية محدودة؛ ومن ثم تقوم إسرائيل بالرد الموازي وهكذا دواليك، فيما ستتدخل مصر كالعادة وتعيد الكرة مرة أخرى لتثبيت التهدئة والعودة إلى تفاهمات عام 2012 وما أكدت عليها تفاهمات عام 2014، فأغلب الظن أن الطرفين باتا يعرفان حدود قبضة اليد على طرف حبل كل واحد منهما وإلى أي مدى تتحمل أصابع كل واحد عضة الآخر.
الثابت في الأمر أن إسرائيل تعرف ما تريد جيدا وأنها لن تعطي حماس ما تريد وتراهن على كسب المزيد من الوقت؛ ليتسنى لها تقويض المشروع الوطني الفلسطيني الرامي إلى تكريس الدولة الفلسطينية العتيدة وفرض مشروعها التهويدي، لكنها لن تستطع تحقيق ذلك؛ لأنها تدرك جليا أنه وإن كان يخدمها الانقسام الفلسطيني آنيا؛ فإنها لن تتمكن من الوصول إلى صفقة القرن التي يحاول البيت الأبيض الأمريكي فرضها، فهي تعي تماما أن المحيط الإقليمي وبخاصة المناخ العربي غير مهيأ لذلك حتى في ظل ما تعانيه المنطقة العربية من حالة التشظي التي تعيش.
فلا متغير في الموقف الفلسطيني الرسمي إزاء الصفقة المزعومة والحلول التقزيمية المجتزأة وواهم من يعتقد أن إسرائيل من الممكن أن تعطي لغزة مساحة من الحرية مقابل أن تكون منطقة صالحة للعيش وقابلة للحياة الآدمية، فلن تعطي دويلة غزية لقاء الغذاء ولا الحركة ورفع الحصار؛ لأنه وبالعودة إلى خطة شارون الانسحابية الانطوائية والاحتوائية نجد أن إسرائيل تريد أن تعزل غزة وتحتوي ما تبقى من أراضي الضفة الغربية والقدس وتلتهمها من خلال الاستيطان في حين تبقي على غزة تحت حد السكين على قاعدة: "ارفع ذقنك سال الدم" وهذا ما حصل وما يحصل بالفعل منذ عام 2005 عام الانسحاب الإسرائيلي من غزة وتسليمها كأرض معزولة لا سماء لها ولا حتى فسحة من الفضاء.
يبقى القول إنه لا يمكن الالتفاف على شرعية السلطة الفلسطينية المكتسبة شعبيا ورسميا عربيا وإقليميا ودوليا وإسرائيل تعي ذلك جيدا، فما زالت الشريك الفاعل ولم تنحرف عن برنامجها السياسي المتوافق عليه في مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية والملتزم بالاتفاقيات الموقعة فيما بينها وبين إسرائيل مع تمسكها بحقوقها وثوابتها الوطنية التي تسعى إلى انتزاعها بالطرق السلمية التي تروق للمجتمع الدولي، وحتى أن إسرائيل تدرك جيدا أنها لا يمكن أن تضمن أمنها واستقرارها على المستوى الاستراتيجي وأن السلطة تمثل الخطر الحقيقي على وجودها واستمرار تمددها.
وفي هذا السياق نذكر أنه في مرحلة ما وعندما شعرت إسرائيل بخطر استراتيجي من قبل السلطة الفلسطينية ولا نبالغ إذا قلنا خطر وجودي جراء اتفاقية السلام وبناء السلطة وكيف لها أن شكلت نواة دولة المؤسسات، وهذا ما دفع إسرائيل لاستهداف مؤسساتها حتى المدنية منها مع بداية الانتفاضة الثانية، وما زالت تسعى لثنيها عن مشروعها الوطني عبر محاولات حثيثة لتقويض السلطة وتقليم أظافرها ويخدمها الانقسام الفلسطيني في تحقيق ذلك؛ فطالما تذرعت وما انفكت تتذرع بتهديد أمنها من جهة غزة التي لا تسيطر عليها السلطة الفلسطينية، وما فتئت حماس أن تفوت الفرصة؛ لتحول دون تحقيق ذلك.
على حماس أن تعي خطورة الأمر، فليس كل مرة تسلم الجرة، لا يجب أن تعود إلى نقطة الصفر فقد انطلقت سابقا من المربع الأول ومضت وحركة فتح وكل الأطراف صوب إحقاق المصالحة التي تخرجها وتخرج جميع الأطراف من عنق الزجاجة، فلا مجال لأي مناورة أو تكتيك غير محسوب أو مجدٍ، فلم تعد غزة تحتمل المزيد من الضربات وربما ينفجر برميل البارود ويقع ما لا يحمد عقباه.
لا هدنة بدون مصالحة "ولا دولة في غزة ولا دولة بدون غزة" لا حل يلوح في الأفق سوى الحل الأمثل والأنجع "المصالحة الفلسطينية" فغزة ورام الله الأقرب إلى بعضهما البعض من كل عواصم ومدن العالم سوى القاهرة التي يجب أن تشهد عما قريب تدشين المصالحة الفلسطينية وتكريسها في غزة من خلال تمكين حكومة التوافق الوطني الفلسطيني التي أقرها اتفاق الشاطئ عام 2014 وأكدت عليه مرارا كل جولات حوارات المصالحة.
لا تضيعوا الوقت ولا تأخذوا الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية العادلة إلى المجهول والتقطوا ما يمكن التقاطه من الفرص، وعودوا عن استمراء حكم لا قيمة له في ظل هذا الظلام الرهيب والقاتم، وإلا فحق فيكم قول الشاعر العربي السوري نزار قباني:
"يتقاتلون على بقايا تمرة فخناجر مرفوعة وحراب".