الأربعاء: 27/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

لماذا الهدنة الآن (3/3)

نشر بتاريخ: 04/09/2018 ( آخر تحديث: 04/09/2018 الساعة: 11:11 )

الكاتب: ياسر المصري

إن ذهاب حماس وبشكل واضح وصريح نحو البناء على ما يتوافق مع دولة الإحتلال (إقامة كيان في قطاع غزة منفصل عن الضفة والقدس) يعني بأن هذه الخطوة بكل وضوحها هي ترجمة وحصاد لكل فعل حماس السابق (منذ العام 1989) وحصره في تسويق كل هذا كمنجز رغم ما شكل أدائها من عبء وعرقلة، كل هذا الفعل والسلوك والأدوات التي استخدمت وطرق إستخدامها، قائمة على أساس إغتيال وتشويه الوطنية الفلسطينية لتمرر حماس أجندتها بعيدا عن خضوع هذا لمعايير وتعريفات هذه الوطنية، وقد مررت حماس كل هذا عبر تعميق إرتباطها بالأطراف الإقليمية والتضليل الإعلامي وتمييع المصطلحات الوطنية السياسية في القاموس الفلسطيني.
وهذا بالضرورة يفرض على حركة فتح أكثر من أية مرحلة سابقة وعلى فصائل منظمة التحرير الفلسطينية ، مهمة ومسؤولية نضالية على الصعيد الداخلي والخارجي ، بما يتلاءم ويتوافق مع الخطورة التي تهدد المشروع الوطني الفلسطيني ، فوضوح حماس فيما تذهب إليه يضع الأمور في سياق واحد لا ثاني له ، أن الإحتلال قد أصبح لديه من ينادي بمصالحه وجاهز لتنفيذها وهو حامل للشرعية الوطنية ، ولعل هذا أخطر من الظاهرة التي برزت في بعض الشعوب التي وقعت تحت الإحتلال حين تجند جيش من الشعب الذي وقع ضحية للإحتلال حتى دافع هذا الجيش عن الإحتلال كفكرة ووجود(كما حدث في فرنسا حين وقعت تحت الإحتلال النازي ، ولبنان حين تم إحتلال الجنوب من قبل دولة الإحتلال- جيش أنطوان لحد) ، فحتى وإن تراجعت حماس أو فشلت فيما هي ذاهبة وتعمل عليه (هدنة مع الإحتلال بعيدا عن المشروع الوطني الفلسطيني النعرف والواضح والقائم على أساس قيام دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران من العام 1967) ، فإن ما أقدمت عليه بهذه الخطوة ليفرض سياق جديد من التعامل مع حماس كموقف وأداء وموضع بين فصائل العمل الوطني الفلسطيني ، وذلك بما يتوافق مع ضرورات مواجهة خطر تصفية القضية الفلسطينية وفق سياقين :
1- إعادة تعريف وصقل مفهوم الوطنية الفلسطينية وموجبات حمايتها ، فالسلطة والحكم لا تكون على حساب الوطن بكل ما يعنيه تعريف الوطن ويدلل عليه ، خصوصا أن كل ما قامت وتقوم به حماس ليس إلا لبسط حكم بعيدا عن أي مشروع وطني يحظى بالإجماع الوطني الطبيعي والسليم المعافى من التشويه أو الإنحدار.
2- إعادة تعريف الإجماع الفلسطيني وفق البرنامج السياسي الذي ناضل من أجله فصائله بقيام الدولة على حدود الرابع من حزيران من العام 1967 ، وكل ما هو أدنى او أقل من ذلك هو خيانة وطنية عظمى ، فصمود الراحل الرئيس الشهيد عرفات أمام رفض كل ما هو دون ذلك وكذلك ثبات الرئيس عباس على إعادة فرض البرنامج السياسي الفلسطيني بما يمنع الإنزلاق لما دون ذلك والإصرار على أن الحل والتسوية ستبقى قائمة على أساس قرارات الشرعية الدولية وإنجاز المشروع النضالي الفلسطيني وفق تعريف الدولة الفلسطينية ومتطلبات كأحد متطلبات قيامها الإنسحاب الإسرائيلي من كامل الأراضي المحتلة العام 1967 .
فحركة فتح وبرغم انغلاق الأفق السياسي نتاج الإستراتيجية الإسرائيلية القائمة على أساس تصفية القضية الفلسطينية ، وبناء هذه الإستراتيجية على منع قيام الدولة الفلسطينية وفق التعريف الوطني والنضالي السياسي الفلسطيني (وهذا ما كان قبل العام 1993-2000) وهذا دلالة من دلالات تعريف الإحتلال ، وهو أيضا في الصورة المقابلة دلالة لتعريف النضال الفلسطيني ، فلولا منع الإحتلال قيام الدولة الفلسطينة ما كان عاد للإحتلال توصيف يعني الإحتلال ، فحركة فتح مازالت متمسكة بمشروعها السياسي الواقعي وهذا المشروع الذي يعرفها كحركة تحرر وطني تتبنى رؤية وتتمسك بأداة نضالية لإنجاز مشروعها التحرري ، وهذا ما يفرض عليها أن تتمسك أكثر بمسؤوليتها الوطنية لمواجهة الواقع المفضوح من حيث محاولات الإحتلال وقوى إستعمارية أخرى (أمريكيا ) ، لإلغاء النضال الفلسطيني وتقزيمه بمنجز على بقعة محاصرة من الوطن ، وهذا ما يفرض على حركة فتح ضرورة صياغة الإجماع الوطني وفق خطورة ما هو قائم .