نشر بتاريخ: 06/09/2018 ( آخر تحديث: 06/09/2018 الساعة: 16:30 )
الكاتب: د. وليد القططي
أفادت وكالة (سانا) السورية الرسمية بـ أن طائرات الاحتلال الإسرائيلي استهدفت مساء الثلاثاء منطقة وادي العيون بريف حماة ومحافظة طرطوس، مما أسفر عن استشهاد شخص وإصابة عدد آخر، فيما تمكنت الدفاعات الجوية السورية من التصدي لعدة صواريخ أخرى أطلقتها الطائرات الإسرائيلية، وأرغمت الطائرات المُهاجمة على الفرار.. هذه الغارة رقم 202 منذ بداية عام 2017م كما صرّح بذلك مسؤول عسكري إسرائيلي، حسب وكالة (فرانس برس)، والرقم أكبر من ذلك بكثير إذا حسبنا كل الغارات الإسرائيلية منذ بدايتها عام 2007 عندما دمرت مفاعل دير الزور (النووي)، قبل الحرب الأهلية بسنوات، دون أن ترد عليها سوريا بالمثل.
بيان وكالة (سانا) السورية، لم يوّضح كيفية إجبار صواريخ المضادات السورية الطائرات الإسرائيلية المُهاجمة الجبانة على الفرار بعد أن حققت أهدافها العسكرية!. والبيان لم يُذّيل كالمعتاد بتصريح مسؤول رسمي سوري بأن سوريا تحتفظ بحق الرد في الزمان والمكان المناسبين. وهي العبارة التي تعني في القاموس السياسي العربي الانبطاحي الموروث من زمن الهزيمة، والمتأثر بما نتج عن النكبة والنكسة من خيبة ووكسة، ومن المعروف أن هذه العبارة هي كلمة السر لعدم الرد أبداً، وعدم النزول لمستوى العدو الشرير وملاحقة مغامراته غير المحسوبة، وقد يكون اختفاء هذه العبارة لإدراك الناطق الرسمي بأن حق الرد على الغارات السابقة سقط بالتقادم، ولن يكون مصير الغارة الجديدة بأحسن من مصير أخواتها التي سقطت بالتقادم.
الاحتفاظ بحق الرد يسقط بالتقادم؛ فإذا كان مرور الزمن في القانون يسقط الحق في المطالبة به بسبب التقادم، فهذا ينسحب على مختلف الحقوق التي لا يُطالب بها أصحابها، ولا ينهض أهلها بانتزاع حقوقهم من عدوهم، ولا يبادر من يملك الحق بالقصاص من منتهكي حقه والثأر من غريمة. والأمر في هذه الحالة أعمق من مجرد سقوط الحق بالتقادم؛ ذلك بأنه يتعلّق بضياع معادلة الردع التي تمنع العدو من تكرار عدوانه، وفقدان توازن الرعب الذي يُلجم العدو عن مواصلة غاراته ويتعلّق بضرب جوهر نظرية الأمن الإسرائيلية القائمة على مفهوم الردع، الذي لا يهدف فقط إلى منع العرب من المبادرة بالحرب، أو الرد على العدوان الإسرائيلي؛ خوفاً من الرد الإسرائيلي، بل يتعدّى ذلك الهدف العسكري إلى هدف سياسي أكثر عمقاً يذهب باتجاه التسليم بوجود الكيان الصهيوني كحقيقة واقعة والرضوخ لإراداته وصولاً إلى التطبيع ثم التحالف معه لمواجهة أعداء مفترضين.
صحيح أن الحرب الأهلية والإقليمية والدولية المفروضة على سوريا خدمة للمصالح الصهيو-أمريكية قد أنهكتها وأضعفت قُدراتها على التصدي للعدوان الإسرائيلي المتكرر، وصحيح أن المعارضة السورية المُسلّحة قد استهدفت مواقع قوات الدفاع الجوي السوري خدمة لأسيادها؛ إلا أن الصحيح أيضاً أن النظام السوري كان بإمكانه وقف هذه الاستباحة المُهينة للأراضي السورية من جانب دولة الاحتلال والعدوان، إذا قام بالرد على الغارة الإسرائيلية الأولى ثم الثانية وعلى الأكثر الثالثة، وما كان العدو ليشن الغارة الرابعة لو حدث ذلك، وخيار عدم الرد أضعفها أكثر وجعلها مستباحة لطيران العدو، وملطشة لبلطجة الكيان، وجعل الثمن الذي دفعته ولا زالت تدفعه سوريا بالتقسيط أكبر بكثير من الثمن الذي قد تدفعه مرة واحدة، ولكنها حينئذٍ ستؤدي حتماً إلى وقف هذه الاستباحة المُهينة.
ولنا في تجربتي المقاومتين: اللبنانية والفلسطينية أسوةً حسنة، فرغم الخلل الهائل في ميزان القوة العسكرية لصالح العدو، خاصة في الحالة الفلسطينية، إلا أنها استطاعت إلى حدٍ معين ترسيخ معادلة الردع النسبي وجعل العدو بموجبه يعد للألف قبل تنفيذ أي عدوان، واستطاعت تثبيت توازن الرعب بتقييد يد العدو إلى حدٍ ما كي لا يشن عدوانه وقتما يشاء. وما لم يقم الجيش السوري بإتباع نفس السياسة وترسيخ معادلة (القصف بالقصف)، والرد على كل عدوان إسرائيلي بضرب عمق الكيان الصهيوني، سنظل نعدُ عدد الغارات الإسرائيلية التي تشنها طائرات العدوان (الجبانة) التي تفر عقب كل عدوان حتى الألف وما بعد الألف إلى ما لا نهاية. وسنظل نحن نرد عليها بالبيانات الشجاعة حتى إشعارٍ آخر.
أخيراً وكي لا تكون سوريا ملطشة لـ(إسرائيل)، لا خيار أمامها سوى ترسيخ معادلة القصف بالقصف، قصف العمق السوري يُقابله قصف العمق الإسرائيلي، سيكون الثمن في البداية غالياً والكلفة باهظة، ولكن من قال أن ثمن عدم الرد وكلفة الاحتفاظ بحق الرد أقل من ثمن ترسيخ معادلة الردع وتثبيت توازن الرعب؟!، وما لم تتبع سوريا ومحور المقاومة سياسة القصف بالقصف ستظل يد (إسرائيل) مُطلقة في تنفيذ الغارات ليس فقط في سوريا بل ستمتد إلى العراق كما صرّح بذلك مؤخراً وزير الحرب الإسرائيلي. ولن يقطع هذه اليد الطويلة للإرهاب الإسرائيلي سوى الرد بالمثل عليها، وهل يفل الحديد إلا الحديد؟!.