نشر بتاريخ: 08/09/2018 ( آخر تحديث: 08/09/2018 الساعة: 14:45 )
الكاتب: عوني المشني
عبر تاريخ طويل معقد للصراع العربي الصهيوني تشكلت ثنائيات تتصف بالثبات والجمود لا تتحكم بمسار هذا الصراع فحسب بل وبالتطور السياسي العام في الإقليم ، هذه الثنائيات نتجت عن محدودية التفكير العربي وبالتحديد الفلسطيني والذي يتعاطى مع الامور وفِي اطار من النمطية المنغلقة ، أضف الى ذلك ان تلك الثنائيات قد اخذت صفة القداسة وتحولت الى " تابوا " يمنع المساس بها او حتى إخضاعها للتفكير وهذا ما ساهم الى حد كبير في تشكيل فكر الأجيال اللاحقة وبالتالي حافظ على الجمود الفكري واعطاه صفة التوريث عبر الأجيال ، وربما ان هذا الوضع هو احد الاسباب الاساسية لاستمرار حالة من التخلف الفكري العربي وغياب الرؤى الإبداعية التجديدية والتي تشكل شرطا للنهوض بالمجتمعات ، ان فلاسفة مثل هيغل وفيورباخ وماركس ، وميكافيلي واخرين غيرهم قد تَرَكُوا بصماتهم في تطور المجتمعات الاوروبية عبر إضافتهم النوعية في تغيير مناهج التفكير وبذلك وضعوا مقدمات أساسية لنهضة اوروبا ولم يتم ذلك الا بالتمرد على النمطية السائدة وتجاوز التابو المقدس وانتهاج منطق ومنهجية متحررة من حدود الثانئيات المغلقة .
ان كسر تلك التناقضات عبر نمط تفكير مختلف هو الشرط الاهم للخروج من تلك الدائرة المغلقة ، فالسياسة كما الحياة تحتمل ما بين الابيض والاسود طيف من الألوان وبالتالي فان وضعنا امام الخيارات المتناقضة وتقليص الخيارات الى حد " اما ، او " هو تقليص للمساحة المتاحة للعمل النضالي ، وإطالة لعمر الصراع بما يعنيه من تضحيات ومعاناة وتقديم وقت كافي للاعداء لتطبيق مخططاتهم القائمة على التهام الارض الفلسطينية تدريجيا واحداث تآكل للثوابت الوطنية بفعل عوامل التعرية الزمنية .
ان نجاحنا في تقديم ما هو جديد ومختلف وقادر على احداث اختراق للواقع يعتمد بدرجة كبيرة على ايجاد صيغة تكسر تلك الثنائيات وتقدم بدائل تعزز في الدور الكفاحي . وكسر تلك الثنائيات لا يتم الا عبر منهج تفكير جدلي يتعاطى مع القضايا من خلال حركتها وارتباطاتها المتعددة ، كما ان ازالة القداسة عن تلك الثنائيات وتحرير العقل في التفكير ضرورة لا غنى عنها
ودون التعمق كثيرا سنستعرض بعضا من تلك الثنائيات المرتبطة بالصراع الفلسطيني الاسرائيلي تحديد لان التعمق فيها يحتاج الى مساحة اكبر من مقالة سياسية .
اولا : ثنائية الحرب والسلام
اما " الكفاح المسلح الطريق الوحيد لتحرير فلسطين " او " المفاوضات هي خيارنا الاستراتيجي الوحيد " للوصول الى حقوقنا !!!! اذا كان الخيار الاول وضعنا في مربع الطرف الاسرائيلي الأكثر قوة وتفوق فان الخيار الثاني قد جردنا من كل مقومات القوة وجعلنا نذهب لمفاوضات غير مستندين الى اي عنصر من عناصر التكافؤ ، ايجاد آلية تعتمد على تعظيم عناصر القوة الفلسطينية واستغلال نقاط الضعف في الحالة الاسرائيلية لأحداث تراكمات تحدث تغييرا نوعيا نستند اليه في مفاوضات ندية هي المخرج الوحيد من تلك الثانية المغلقة ، هذا ممكن ، وممكن جدا ، ولكن القصور هنا لا ليس في نقاط القوة الفلسطينية ولا في وجود نقاط ضعف إسرائيلية وانما في العقل السياسي ثنائي الأبعاد والذي يتعاطى مع الوضع وفق خيارات مغلقة
ثانيا : ثنائية الدولة الواحدة او الدولتين
وضع الفلسطينيين امام خيار الدولة الواحدة والتي لا يمكن تحقيقها الا بتصفية كاملة وجذرية للمشروع الصهيوني او الدولتين والتي يتنازل فيها الفلسطينيين عن ثلاثة ارباع وطنهم ودون حل عادل لقضية اللاجئين والتي هي صلب القضية الفلسطينية وجوهرها ، هذه الوضعية مغلقة ولا تقود الى التقدم ، فتصفية المشروع الصهيوني متعذرة على المدى المنظور والتخلي عن مفهوم الوطن لصالح مفهوم الدولة يستحيل كون الوطن مفهوم إدراكي مرتبط بالتكوين الثقافي والديني ، ان صيغة تجمع بين الدولة كاملة السيادة على المحتل من فلسطين عام ١٩٦٧ مع ابقاء الوطن كمفهوم إدراكي متوفر عبر الحدود المفتوحة وحرية العيش والتنقل والإقامة هي التي تكسر هذه الثنائية ، انها صيغة دولتين في وطن واحد ، أشبه بكنفدرالية فلسطينية إسرائيلية ، تحقق حق تقرير المصير في دولة مستقلة كاملة السيادة معا مع ابقاء حدود مفتوحة لكلا الشعبين وكل شعب يمارس حقوقه السياسية في دولته ، والقدس الموحدة عاصمة مشتركة للدولتين وبإدارة مدنية متساوية الأعضاء والصلاحيات وإدارة أمنية دولية وطبعا حق الإقامة والتنقل والعيش يشمل اللاجئين الفلسطينيين أينما كانو . ان هذه الصيغة تخرجنا من ازمة الخيارات الضيقة والتنازلات المؤلمة والانفصام ما بين الوطن والدولة .
ثالثا : ثنائية فتح -حماس
ليس قدرا على شعبنا ان يكون امام خيارات اما فتح او حماس ، اما ارتهان لنهج سلام بدون حقوق اوصلنا في نهاية المطاف الى حكم إدارتي ذاتي بدون اي أفق للتطور او مقاومة بدون أفق وطني أوصلتنا الى إمارة في غزة ، وفِي ظل عجز مزمن لليسار باحتلال موقع الخيار المنقذ فان تشكيل حركة سياسية غير حزبية قائمة على اهداف سياسية محددة بوضوح وتستطيع ان تشكل قاسم مشترك لكل اطياف الشعب الفلسطيني وتلاوينه ، هذه الحركة منفتحة على الجميع بمعزل عن الأيدلوجيات او الولاءات الحزبية ومركز فعلها هو الحد الأدنى السياسي الوطني الملتزم بمنهجية سياسية واضحة ، مثل هذه الحركة تخرجنا من الثنائية المدمرة وتضع الشعب الفلسطيني على طريق الوحدة ليس داخل الوطن بل في كل مناحي الوطن والشتات ، ان وضعا اصبحت فيه حماس سلطة غزة وفتح سلطة الضفة ومنظمة التحرير الفلسطينية هيكل فارغ المحتوى ويقاطع ثلثي فصائل العمل الوطني ، وضع كهذا اصبحت فيه الهوية الجمعية للشعب الفلسطيني محددة بالاندثار ، تلك الهوية التي دفع الفلسطينيين لإعادتها الالاف من الشهداء والجرحى والاسرى تهدد في ظل الانقسام والتشرذم وأهمال الشتات وتحول فتح وحماس الى سلطتين لمنطقتين جغرافيتين ، ان تحول الهم لدى هذين الفصيلين الى الهم الجغرافي في مناطق سلطتهما يهدد يتحول القضية الوطنية الى قضية مناطق جغرافية ، لهذا كله بات في حكم الضرورة القصوى الخروج من تلك الثانئية العقيمة باطار سياسي جامع وموحد وعنوانه وطني بامتياز
نكتفي هنا ، رغم ان هناك عشرات الثنائيات العاجزة الاخرى ، نكتفي لان تلك تعالج في سياقات تفصيلية ، ولان من يمتلك عقلية متمردة على تلك الثنائيات يستطيع ان يعالج غيرها بنفس المنطق .