نشر بتاريخ: 09/09/2018 ( آخر تحديث: 09/09/2018 الساعة: 13:37 )
الكاتب: نضال منصور
حادثتان في الأردن، الأسبوع الماضي، قرعتا ناقوس الخطر، وأعادتا طرح الأسئلة الأساسية عن دولة المواطنة وسيادة القانون، والاطمئنان على مستقبل الأجيال المقبلة، والثقة من دون قلق بالسير على الطريق الصحيح.
الحادثة الأولى كانت ما جرى في مدرسة الفيصلية في مادبا من أعمال شغب غير محدودة، فطلاب المدرسة أحالوها الى "وكر لعصابة"، يقومون ببرودة أعصاب بتكسير الأدراج والمقاعد، وتحطيم الزجاج، وتنفيس إطارات السيارات، ويرمون البراميل، والأدهى ينظرون لكاميرات الموبايل التي تصور من دون وجل أو خجل.
في المشاهد التي صُورت وعُرضت لم نشاهد المعلمين يتدخلون، أو يحاولون السيطرة على الشغب، أو تهدئة الطلبة، أو حتى محاولة إقناعهم بأن هذا السلوك لا يليق، ومدان ومعاقب عليه.
قررت مديرية تربية مادبا نقل 26 معلماً الى مدارس أخرى، واعتبرت أن هذا القرار فنياً وليس عقوبة، ونقابة المعلمين بدورها احتجت، على لسان نائبها إبراهيم شبانة، محذراً من اتخاذ عقوبات ضد المعلمين.
الحادثة الثانية التي لا تقل خطورة عن الأولى، هي قيام موظفين وأساتذة في جامعة آل البيت بطرد رئيس الجامعة، الدكتور ضياء الدين عرفة، من مكتبه، والكارثة في قضية طرد رئيس الجامعة بأن هؤلاء ليسوا أطفالاً كما حدث في مدرسة الفيصلية يحتاجون إلى إرشاد وتوجيه، بل على العكس من المفترض أن يكونوا قادة الرأي العام، وهم المؤتمنون على الشباب والشابات في الجامعات لتنويرهم وزجهم في المجتمع.
تصرف رئيس الجامعة بكل كياسة وأدب، لم يرد عليهم، والتزم الصمت وخرج مجروحاً، وأكثر ما يؤلم في الصورة أنهم خاطبوه بالقول إنه "ضيف" وسيخرج ضيفاً من عندهم وسيسمحون له باستخدام السيارة.
بكل المقاييس، ما حدث مصيبة، وكف يد كل هؤلاء البالغ عددهم 30 عن العمل لحين استكمال التحقيقات ويُصدر القضاء قراره ضرورة، ولكن المشكلة وخلفياتها وتداعياتها أعمق، وتحتاج الى معالجة من جذورها، وقول وزير التعليم العالي والبحث العلمي، د. عادل الطويسي، إن ما حدث تصرف غير قانوني ولا يمت لدولة المؤسسات والقانون بصلة لا يكفي، وعليه أن يتحرك "لإطفاء الحرائق" في جامعات تحولت لحصون للتجاوزات وشبهات الفساد، "ودويلات" تكرس الهويات الفرعية والعشائرية على حساب المواطنة والعلم والكفاءة.
ليس غريباً أن يُطرد رئيس الجامعة إذا كان الطلبة في صفوفهم يفعلون ما يفعلونه في مدرسة الفيصلية، فهم لا يعرفون، ولا يدركون بأن المدرسة ممتلكات عامة تعود لهم، وبأن الأدراج والمقاعد التي يكسرونها مصدرها جيوب آبائهم.
لا يهتم هؤلاء الطلبة للتعليم وما يوفره لهم من معارف ومهارات تسعفهم في الأعوام المقبلة ليجدوا عملاً مميزاً، ويبنوا عائلتهم الصغيرة، إن كانوا متيقنين بأن "الواسطة" والمحسوبية ستفتحان لهم الأبواب المغلقة حتى وإن كانوا علمياً وأكاديمياً غير مؤهلين، والتجارب أمامهم كثيرة، لا تعد ولا تحصى.
عدا أننا لا نبني قيم المواطنة، ولا نقدم تأهيلاً علمياً مختلفاً، فنحن لا نركز على بناء القيم والأخلاق.
قديماً كانوا يقولون وزارة التربية والتعليم، ويصرون على أن التربية تتقدم على التعليم، والآن ماذا تبقى؟
على وزير التربية، بعد ما حدث من فضيحة، أن يتحرك لإقرار مادة "أخلاق" تدرّس من رياض الأطفال وتستمر حتى الجامعات، فهذا ما يعزز القيم ويوقف التنمر على سلطة القانون.
أما الجامعات فقد كانت الفلسفة بتواجدها في المحافظات تعميم التعليم، وتيسير الوصول له في كل محافظة، لكن الفكرة الجميلة للأسف تحولت الى "محاصصة" وإلى "تنفيعات" وإلى فرضية بأن الجامعة "ملك" حصري لأهالي المنطقة لا ينازعهم عليه أحد.
كان المفترض أن تلعب الجامعات دوراً تنويرياً حضرياً في مناطقها، وتغير من واقع المجتمعات وعلاقاتها، وتسهم في الانفتاح والاحتكاك والتآلف، فهل حدث ذلك؟
قبل عقود، أسهمت جامعة اليرموك في تغيير بنية مجتمع إربد، وفي تعزيز مدنيته وانفتاحه، فقد كانت الجامعة حاضنة لطلبة وطالبات من إربد وعمان، ومن المحافظات والقرى والأرياف كافة، ومن فلسطين ودول الخليج، وأسهم هذا المزيج وتكفل بمهمة الانتقال بمجتمع إربد نقلات نوعية، ولكن هذه التجربة لم تتكرر، وهذا ما يحتاج الى دراسة متأنية؟!
على وزارتي التربية والتعليم والتعليم العالي أن لا تتوقفا عن المتابعة بعد هدوء الغضب الشعبي على ما حدث، وإنما عليهما أن تقدما لنا تصوراتهما لوأد هذه الحوادث التي تهبط بالتعليم في بلادنا، وتقدما حلولاً ودروساً مستفادة!