السبت: 23/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

" طلب القهوة وما شربهاش "

نشر بتاريخ: 09/09/2018 ( آخر تحديث: 09/09/2018 الساعة: 15:37 )

الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام

في الفصل الأخير من المسرحية ، تزداد الأحداث تعقيدا . لا أحد يتوقع النتيجة ولا أحد يريد تفويت فرصة المفاجئة في اللحظات المتبقية . الممثلون يتصببون عرقا وهم يؤدون أدوارهم باحترافية عالية . البطل واللص , والضحايا ، يستعد الجميع لمشاهدة أدق تفاصيل الجريمة ، هل يكون الغدر بالسكين أم بالسم في شراب لذيذ !!
لم يعد الممثلون يدركون أنهم مجرد ممثلين ، صاروا يؤدون بقسوة مبالغ فيها , أدوارا كتبها لهم مؤلف لئيم ومحترف . حتى الجمهور دخل الى المصيدة ولم يعد يردك أن هذه الاضاءات هنا وهناك إنما هي مجرد ومضات للخداع ، هي ليست شموسا ولا أنوارا يهتدون بها . إنها حيلة أخرى رتبها المخرج بدقة .
في الكواليس كثير من المستثمرين . كالوس الاخوّة , وكالوس الصداقة , وكالوس السلام ,  وكالوس الحرب , وكالوس الاقتصاد  . وكالوس الفن الراقي .

الجمهور دفع ثمن التذكرة والمقاعد كلّها محجوزة ، الموسيقى تعلو وتنخفض بحسب النص المطلوب .
يتقدم الممثل صاحب الدور الشرير ، ويطعن الممثل صاحب الدور الطيب ( في الواقع لا أحد  يعرف من هون الشرير ومن هو الطيب ) . صرخة اللحظة الأخيرة قبل السقوط تهز أركان المسرح  وتفزع الحشود . الجمهور يفقد رشده ، هل يبكي ؟ هل يصفق ؟ وفي الوقت المناسب قرر أن يصفق .
برافو برافو ... صاح الجميع .
فينحني المجرم الذي طعن البطل فيصفق له الجمهور أكثر وأكثر .
يقف الرجل الميت والسكين معروزة في ظهرة وينحني هو الاّخر . فيصفق الجمهور أكثر وأكثر .
جمهور عظيم وصاحب ذوق . ممثلون بارعون بإحترف . مسرح نظيف وواسع .

الجميع يخرج من القاعة مفعم بالرضى .
على باب المسرح .. جلس طفل يبكي من شدة الجوع . يتسوّل إبتسامة وحنان وإهتمام قبل أن يتسول طعاما .
لكن الجميع منشغل عنه بقضية أهم وأرقى . قضية الخير والشر .

مؤلف المسرحية .. ترك مقعده وغاددر دون أن يشرب القهوة التي طلبها . أسكره النجاح الكبير .

مفتش البلدية أمسك الطفل الذي يتسول باب المسرح ورماه في زقاق معتم حتى لا يفسد تشجيع الجمهور للخير .