الكاتب: المتوكل طه
خُذْ مِعطفي واخلعِ الأثوابَ عن جَسدي
لعلّ هذي المرايا ترتدي بَرَدي
لأعجنَ الثلجَ بالنيرانِ في حَجرٍ
وأملأَ الكأسَ في خمّارةِ البلدِ
والخمرُ ليس من العنقودِ حُرْقَتُها
لكنّها من نَشيجِ العارفِ الصَّهِدِ
وأجْمَعَ الشمسَ في كفّي وأنشُرَها
وأُطْعِمَ الطيرَ في الأعشاشِ من كبدي
وأَسكبَ اللبنَ الريّانَ في قمرٍ
وأرفعَ البحرَ غيماتٍ بلا عَمَدِ
وأبعثَ النَّحلَ من كَرمي وأجمعُه
ليشربَ الجَمْرَ من حَنُّونةِ الزَّرَدِ
وهذه لوحتي جاءتْ على عدمٍ
وطلعَتي أَزَلٌ في جَنّةِ الأبَدِ
وسائدُ الماءِ أُعطيها لمَن سَهِروا
على سِراجي ، وإنْ ناموا على مَدَدي
أنا الكمالُ جمالاً لا شبيهَ لَهُ
وليسَ مِن حادِثٍ يَقْوَى على جَلَدِي
وليس يعجِزُني شيءٌ ولا أَحدٌ
ولو تَلَبَّسَ نابَ الجنِّ والأسدِ
وأسْمَعُ النّبضَ في أعماقِ جارِحةٍ
وليسَ مَن يعرفُ الأسرارَ في خَلَدِي
وكلّ ما قد ترى فَيْضي ! وما اقترفتْ
كلُّ الخلائقِ تحتَ العينِ والرَّصَدِ
غُلالتي النورُ .. لا حدٌّ ستعرِفهُ
إلّا الذي سوف أُعطيهِ مِن الأمَدِ
هذي المَجرّاتُ أزرارٌ تُضاءُ على
محيطها الثَّرِّ من رملٍ ومِن زَّبَدِ
وإنْ قَصدتَ شبابيكي .. فنافِذَتي
وبهجتي طَوْعُ مَن يشكو مِن الكَمَدِ
وإنْ عشقتَ فَمُتْ بالعشقِ مُبتهِلاً
فَعِشْقُ غيريَ مقتولاً بلا قَوَدِ
تعالَ وابكِ على صدري فقد وَصَلتْ
مواكبُ الموجِ يحدوها غريقُ يدي
واشرَبْ لِبائي إذا ما ظُلْمةٌ حَبَكتْ
أُنشوطةَ الضيقِ أو سهماً من النَّكَدِ
وربّما قبل أنْ ناديتَ تَسمعُني
قُبَيلَ أُمِّكَ إنْ نادَتْكَ ؛ يا ولدي!
كم جَنّحوا في الليالي والسماءُ لهم
وقد فَرَشتُ لهم .. والقولُ : يا سَنَدي
والتائهون لهم دربي إذا رجعوا
حُرّاً وسيعاً ومبسوطاً.. بلا عُقَدِ
وما عليهم سوى أنْ يسألوا ، ولهم
أنْ أستجيبَ بلا حدٍّ ولا عددِ
أعفو وأغسلُ ما في القلبِ من غَبَشٍ
وما تَعَلَّقَ في الأرواحِ من بِّدَدِ
تكفي الدموعُ دليلاً في محبّتنا
حتى وإنْ أسرَفَتْ بالمِلْحِ .. لم تَزِدِ
نهري حليبٌ دَفُوقٌ والقلوبُ بهِ
مراكِبٌ لا تراها أعينُ الحَسَدِ
تمضي لتبلغَ.. حتى لا سماءَ لها
كأنّها من بناتِ السابِحِ الغَرِدِ
يا مَن تنادي ! إليَّ الحرفُ أرفَعُهُ
إذا تصادى بِه : غَوْثي ومُعتَمَدي !
أنا حدودُ فضاءِ الخَلقِ ، لو عُلِمَتْ ..
لَشابَ رأسُ جَنينٍ ، بَعْدُ ، لم يَلِدِ
مشيئتي الضوءُ للأعمى إذا اكتشفتْ
عيناهُ سِرَّ شروقِ الواحدِ الأحَدِ
هذي الحياةُ كمينٌ حين تُبْصِرُها
فاعرِفْ سبيلَكَ نحوَ الكاشِفِ الصَّمَدِ
والحَظُّ يلمعُ عندَ الوَصْلِ ، من فَرَحٍ ،
والبَرقُ يُشعِلُ مِرآةً من البَرَدِ