نشر بتاريخ: 14/09/2018 ( آخر تحديث: 14/09/2018 الساعة: 16:12 )
الكاتب: ناصر العيسى
الشبكة الدولية لحقوق الطفل- كرين
اولادكم ليسوا لكم .. أولادكم أبناء الحياة المشتاقة إلى نفسها, بكم يأتون إلى العالم, ولكن ليس منكم .. ومع أنهم يعيشون معكم, فهم ليسوا ملكاً لكم.. أنتم تستطيعون أن تمنحوهم محبتكم, ولكنكم لا تقدرون أن تغرسوا فيهم بذور أفكاركم, لأن لهم أفكارأً خاصةً بهم.
جبران خليل جبرانعلى الرغم من النمو الكبير لمنظمات المجتمع المدني ومن ضمنها تلك التي تعمل مع او من اجل الاطفال، وعلى الرغم من الانجازات الكبيرة التي حققت على مستوى العمل مع الاطفال، إلا ان قضية حق الطفل في التصويت والاقتراع تبقى من بين القضايا التي لم تعطى حقها في النقاشات الجارية او في احسن الظروف قد حصلت على اهتمام ثانوي من قبل بعض الهيئات والمنظمات.
بالتأكيد هناك الكثير من القضايا الشائكة والعالقة المتعلقة بالأطفال وحمايتهم ونموهم وصحتهم وهي تحتاج منا الى جهد وعمل، لكن ايضا فان بعض القضايا المرتبطة بالحقوق السياسية للأطفال ومن ضمنها الحق بالتصويت يجب ان تعطى الاهتمام الكافي.
لطالما كانت حقوق الاطفال مترابطة وجميعها متساوية بالأهمية وبالتالي من الصعب جدولتها من حيث الاولوية، حيث كل جانب من حياة الطفل يؤثر على الاخر، فالحق في بيئة امنة على سبيل المثال لا يمكن ان يتوفر إلا ضمن مجتمع ديمقراطي ويحترم مواطنيه.
لطالما شكل الحق بالاقتراع والتصويت حالة نضالية للفئات الاكثر تهميشا في المجتمعات، حيث خاضت المرأة قبل اكثر من قرن ونصف نضالا طويلا حتى تمكنت من الحصول على الحق في الاقتراع ولاحقا الترشح، وكذلك الامر بالنسبة للكثير من الفئات العرقية والأقليات والتي جزء منها ما زال يناضل حتى اليوم كي يعترف المجتمع بحقه في الاقتراع والترشح.
لماذا يجب ان ينتخب الاطفال؟
هل هناك مبرر لتحديد سن للاقتراع والتصويت كما هو دارج في معظم دول العالم والتي تحدده ب 18 عام او كثر. اذا اتفقنا ان الاطفال لديهم حقوق يجب الدفاع عنها فمن الطبيعي ان لهم الحق في اعلاء صوتهم وإبداء رأيهم في كل ما يخصهم، فكما لهم الحق في تقييم الخدمات والرعاية الطبية والتعليم فان حق التصويت هو مكمل اساسي لما سبق حيث المساهمة في اختيار الاشخاص المؤثرين في رسم السياسات والخدمات والتطوير والتعليم..الخ
لماذا نعلم اطفالنا اهمية الانتخاب؟! نحن نفترض قدرتهم على استيعاب العملية الانتخابية، والمتنافسين والحملات والحق في اختيار من نراه مناسبا بناء على برنامجه الانتخابي. بديهيا فان ذلك يعني ان الطفل يستطيع ممارسة حقه والمشاركة في اختيار من يراه مناسبا.
لكن هل يتأثر الاطفال فعلا بآراء الاباء والبالغين من حولهم، ربما نعم، لكن هذا ينطبق ايضا على من هم اعلى من سن 18 سنة فلطالما تأثرت اسر بكاملها بآراء بعضهم بعض، كما ان القبيلة او العشيرة تختار مسبقا المرشح الذي سوف تعطيه اصواتها وفي احيان كثيرة نجد مدنا يتبع افرادها حزبا او شخصا ما. ولكن هذا لا يعطينا الحق في منعهم من الانتخاب او ابداء رأيهم.
هناك من يقول ان الاطفال يمكن ان يخطئوا في اختيار الاشخاص المناسبين عند التصويت، وانه قد يغرر بهم ويتم خداعهم، قد يكون ذلك صحيحا في بعض الاحيان، لكن الامر ينطبق ايضا على البالغين، ففي كثير من عمليات الانتخاب والتصويت تم التغرير بهم وخداعهم او عدم تلبية مطالبهم بل وتجاوز الامر ان يتم التغرير بهم اكثر من مرة.
لقد ان الاوان لاحترام عقول الاطفال وقدرتهم على التحليل والاختيار، من الجيد ان يتعلموا من اخطائهم حال ارتكابهم لها ومن الجيد ان يشاركوا في تقرير من يحكم مستقبلهم فهم يشكلون ثلث المجتمع او اكثر قليلا في معظم المجتمعات. ان ما يطرحه البعض بأنهم غير قادرين على تحديد خيارهم السياسي غير دقيق فنحن لا نملك أي مقياس لتحديد الاهلية السياسية لدى الاطفال او البالغين على حد سواء.
يستطيع الاطفال في سن صغيرة ابداء ارائهم في قضايا سياسية واجتماعية ولديهم معرفة بما يجري حول العالم ورصيد معلوماتي يشبه ما لدينا حتى عندما يتعلق الامر بالسياسات الخارجية لبلداننا وفي الحروب والمجاعة وغيرها الكثير. بالتأكيد نحن لا نتحدث عن اطفال في سنة الرابعة او الخامسة، لكن اطفال بسن العاشرة لديهم بالتأكيد وجهات نظر يجب اخذها بعين الاعتبار. وعندما يتعلق الامر بالبرامج الانتخابية لبعض المرشحين فهي في غالبها عامة وضبابية وصعبة الفهم على الكبار قبل الصغار.
هناك دول تقوم بتجنيد الاطفال وترسلهم الى الخدمة العسكرية قبل بلوغهم سن الثامنة عشر، أي انهم سيحملون السلاح وقد يقاتلون ضمن الجيش النظامي ويشاركون في الحروب، ولربما يتعرض الطفل لظروف قد تفرض عليه ان يقتل او يقتل او يتعرض للأسر او حتى الموت. هذه الدول نفسها تمنع الطفل قانونا من المشاركة في التصويت بحجة غياب النضج الفكري والعاطفي وعدم القدرة على اتخاذ القرارات السليمة. أي تناقض صارخ هذا في المعايير وأي تضارب في الممارسة. بالتأكيد نحن ضد تجنيد الاطفال، لكن كيف يسمح هؤلاء بمشاركة طفل في حرب ومنعه من المشاركة في المجتمع المدني والحياة السياسية.
اذا لم يكن اهلا لذلك فلماذا نحاكمه ونجرمه بالمقابل
قد لا نختلف في انه يجب وضمن بعض الظروف التي تستوجب حماية الطفل ان تتم معاملته بطريقة تختلف عن البالغين، في قضايا ذات علاقة بالقضاء والتحقيق او في الحالات التي يكون فيها عرضة للعنف او الاستغلال او الاعتداء على سبيل المثال. مع كل ذلك تغفل معظم قوانين الدول عن سن المسؤولية الجنائية وتحاكم الطفل في سن صغيرة غير ملتفتة لتلك المبررات التي ذكرت سابقا التي اقر بموجبها منع الاطفال من التصويت والانتخاب. بل وقامت ايضا بتخفيض سن المسائلة الجنائية الى تسع سنوات احيانا وفي احسن الظروف 16 عام على اعتبار ان الطفل يتحمل مسؤولية افعاله ويستطيع اتخاذ القرارات.
هو فعلا يستطيع ان يتخذ قرارا بحق من حقوقه يتعلق بالتصويت كما هو بحاجة الى الحماية عندما يتعلق الامر بجنحة ارتكبها، ففي كلا الحالتين فان التعزيز والتعليم والتأهيل هو مطلوب، بديلا عن الحرمان والمنع. لماذا نهمل حاضر الطفل ونفكر بالمستقبل نيابة عنه ونتخذ القرارات المتعلقة بهم بدلا منهم.؟
الحق في المشاركة، اتفاقية حقوق الطفللا يوجد هناك ما يشير الى حق الطفل في المشاركة في الاقتراع ضمن مواد اتفاقية حقوق الطفل، ركزت مواد الاتفاقية على حقه في تكوين اراءه الخاصة والتعبير عنها وذلك في المادة 12.1 " تكفل الدول الأطراف في هذه الاتفاقية للطفل القادر على تكوين آرائه الخاصة حق التعبير عن تلك الآراء بحرية في جميع المسائل التي تمس الطفل، وتولى آراء الطفل الاعتبار الواجب وفقا لسن الطفل ونضجه". وكذلك حق الاستماع اليه في المادة 12.2 " يتاح للطفل، بوجه خاص، فرصة الاستماع إليه في أي إجراءات قضائية وإدارية تمس الطفل، إما مباشرة، أو من خلال ممثل أو هيئة ملائمة، بطريقة تتفق مع القواعد الإجرائية للقانون الوطني.
جانب اخر في الاتفاقية وهو ما يعد بعدا ثوريا هو ما يتعلق بحق الاطفال في تكوين الجمعيات والتجمع السلمي، وذلك في المادة 15.1 من الاتفاقية "تعترف الدول الأطراف بحقوق الطفل في حرية تكوين الجمعيات وفي حرية الاجتماع السلمي"، الامر الذي يعد مكسبا سياسيا كبيرا للأطفال
عربيايبدو الجميع الى حد ما مسلمين بان الأطفال لا يحق لهم التصويت والاقتراع، لدرجة انه من النادر ان تناقش مؤسسات المجتمع المدني هذا الموضوع.
ولا يختلف الواقع العربي كثيرا عما هو في دول العالم باستثناء الصومال والسودان حيث سن الاقتراع حدد ب 16 و17 عام، بالمقابل فان كل من تونس والبحرين والمغرب ولبنان قد جعلت سن الانتخاب ما بين 20 و21 عام، الامر الذي يعكس تناقضا ما بين سن الرشد السياسي وسن الرشد القانوني والمحدد ب 18 عام.
هذا التناقض دفع الى المطالبة بخفض سن الاقتراع في لبنان مثلا، على اعتبار ان حرمان المواطنين اللبنانيين من عمر الـ 18 الى 21 من الاقتراع، يعد انتهاكا لحقوق الانسان التي تعطي للمواطن الحق بالمشاركة في العملية السياسية لوطنه دون تمييز. فإذا كان القانون قد اعتبر ان الشاب اللبناني في عمر الـ 18 قد نال كامل حقوقه كمواطن فليس هناك أي مبرر لحرمانه من حقوقه السياسية في هذا العمر ايضا.
البلد- سن الاقتراعالصومال 16
السودان 17
مصر 18
الجزائر 18
فلسطين 18
اليمن 18
العراق 18
الاردن 18
جيبوتي 18
تونس 20
المغرب 20
البحرين 21
لبنان 21
ختاما فلقد ان الاوان ان تتسع مساحة الديمقراطية في بلداننا العربية لتشمل هذا الثلث من المجتمع وهم الاطفال، فكما يقال، فما دامت الديمقراطية عرسا او تجربة، فليس من الديمقراطية ان يمنع الاطفال من المشاركة في هذا العرس.
كما ان على مؤسسات المجتمع المدني العمل من اجل الضغط لتغيير التشريعات المتعلقة بسن الاقتراع والتصويت وعلى كافة المستويات، فلم يعد مقبولا استثناء الاطفال من المشاركة في الحياة السياسية، فليس هناك قاعدة او حجة منطقية يمكن ان تمنع الاطفال من المشاركة وإنما هي عادة وتقليد قد اّن الاوان لتغييره. ان حق الاقتراع هو حق عام تزول فيه جميع الفروقات والحواجز العرقية والثقافية وتلك المتعلقة باللون والجنس، لماذا الاطفال، هل لأنهم جاهلون او محدودو الذكاء!! اذا لنطبق هذه المعايير على الكبار ايضا.
لا السن ولا لون البشرة ولا الجنس يدل على النضج السياسي. فلا شيء يشير إلى أن تصويت شخص ما في سن 45 أو 80 عام سيكون ذا جودة أفضل وأعمق من تصويت شخص عمره 18 أو 14 عامًا.