نشر بتاريخ: 17/09/2018 ( آخر تحديث: 17/09/2018 الساعة: 11:28 )
الكاتب: د.خليل نزال
وارسو / بولندا
لم تكن مجزرة صبرا وشاتيلاً كغيرها من المجازر التي ارتُكبت بحق شعبنا في المنافي، وهي ليست الأولى ولم تكن الأخيرة، صبرا وشاتيلا تجسيدٌ لأسطورة المخيّم بما يمثله من حاضنة الذاكرة الفلسطينية والوعد بأن حقّ العودة يبقى قريب المنال كلما زادت مناعة المخيم وحصانته ضد النسيان.
مجزرة صبرا وشاتيلا كانت انتقامَ المهزومين بجيوشهم وميليشياتهم أمام صمود المخيم والبندقية والإرادة والقيادة التي تتقن فنّ اختيار اللحظات المناسبة كي يخلدها التاريخ.. فالتاريخ ليس أكثر من وقفة عزّ.. ولا أعزّ من قرار الصمود في بيروت أمام جيوش شارون، تماماً مثلما كان قرار التصدي لجنود موشيه ديان في الكرامة منافياً لمنطق "موازين القوى" الواهي الذي كان يوسوس في آذاننا أن السلامة في الإستسلام، وكما يقول لنا الآن بصوت أكثر ارتفاعاً: إقبلوا بما تعرضه عليكم أمريكا فمن أنتم لتقولوا لها "لا"؟من أنتم أمام جبروت أمريكا؟
صبرا وشاتيلا هي محاولة للإنتقام من الفدائيين الذين أذلّوا شارون وحلفاءه بقتل عائلاتهم والقضاء على البيئة التي منحتهم سر الثورة وفكرتها ونشيدها ووعدها الأبدي: "ثورة حتى النصر"..
من يذكر اللحظات التي بدأت تتفشّى فيها الأنباء الأولى عن المجزرة ويتكشّف هول بشاعتها، لا بد أنه يذكر أن وضعنا في حينها كان أقربَ إلى الشعور بالضعف والعجز والغضب، وبالخذلان من القريب والبعيد، كنا مرة أخرى نصرخ "يا وحدنا".. لكن صبرا وشاتيلا كانتا الحبلَ السُّريَّ والنداءَ السِّريّ الذي شكل رافعة الإنتفاضة الأولى، فقد كانت المجزرةُ صرخة من المنفى للمرابطين في الوطن: لا خلاص لنا إلا بنقل مركز الصراع إلى تخوم ثكنات جيش شارون وأسوار موستوطناته.
اليوم وبعد 36 عاماً على المجزرة ما زال نداء المخيم ثابتاً لا يتبدل، وما زالت مداخله وجدرانه تزيّنها صور أبو عمار رمز الثورة والمخيم والصمود، مثلها مثل مفاتيح البيوت -رمز حق العودة.
قد تكون الهجمة الأمريكية الحالية ضد شعبنا غير مسبوقة في عدوانيتها ووقاحتها، لكننا صمدنا في معارك كثيرة كانت أمريكا فيها كما هي اليوم -رأس الحربة ضدنا، ولم يكن لنا حينها ممثليةٌ في واشنطن ولا كنا ننلقى دعماً لمستشفياتنا من USAID. فلتكن ذكرى مجزرة صبرا وشاتيلا كلمة السر للصمود أمام المجزرة السياسية التي تشحذ واشنطن سكاكينها لترتوي من دمنا، وليكن الرد بالوحدة وبالإصرار على الصمود، فالنصر صبر ساعة أو سنة أو قرن من الزمن.. فما هي قيمة الزمن إذا ما قارنّاه بعبق التاريخ الذي يصحو ويغفو على صدر فلسطين منذ أن تعرّف هذا التاريخ على ملامح وجهه؟
في معركتنا ضد صفقة القرن -تماماً كما في مجزرة صبرا وشاتيلا- لا خيار لنا سوى انتصار الدم الفلسطيني على سيف القتلة.. هذا قدَرنا وخيارنا وواجبنا..
ألمْ نُقسم قسم الولاء لفلسطين: "ثورة حتى النصر" ؟؟؟