الثلاثاء: 26/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

"الإرباك الليلي" وسكين مسافة الصفر

نشر بتاريخ: 18/09/2018 ( آخر تحديث: 18/09/2018 الساعة: 11:39 )

الكاتب: د.أحمد الشقاقي

وفرت مسيرة العودة مساحة واسعة للشباب الثائر، للإبداع وتصدير أشكال جديدة للعمل الشعبي المقاوم، وعلى طوال حدود القطاع وجدنا هؤلاء الشباب يطرقون أبواباً جديدة لإرهاق جيش الاحتلال واستنزافه. وخلال الأيام القليلة الماضية شهدنا تصعيداً كبيراً من المتظاهرين الذين صنعوا بطولة الإرباك الليلي، وحظيت هذه الفعالية باهتمام شبابي واضح، راقت لهم وأدركوا جدواها وهم يقتحمون الحدود ويخترقون حصون جيش الاحتلال.
إن ما تقدمه مسيرة العودة من تطوير لتفاصيل عملها وتنوع نشاطاتها يؤكد أن اللجنة الوطنية التي تنظم برنامجها تسير بخطا ثابتة نحو "مأسسة" مسيرة العودة بشكل يجمع مجمل القوى الفلسطينية، وهو ما يرسم ملامح وحدة وطنية نسعى ونبحث عنها بعيداً عن تفاصيل الحصص الحكومية التي يتذرع فيها الطرف المعطل للمصالحة. لكن الجديد الذي تقدمه المسيرة بعد كل هذه التضحيات وفي ظل المسار المتعثر لمفاوضات التهدئة أنها تأخذ حيزاً أكبر وتفاجئ الجميع بقدرتها على التفاعل مع التطورات السياسية سواء مع مواقف الاحتلال العدوانية والمتغطرسة، أو على الصعيد الداخلي.
"الإرباك الليلي" كفعل وكظاهرة يعني قدرة الشباب الثائر على تقديم الجديد، وعملياً يفتح المجال أمام مزيد من الإبداع خصوصاً وأنها جاءت على إثر مجموعة خطوات سابقة أربكت منظومة الاحتلال الأمنية وجعلته يبقى عاجزاً حتى أمام الطائرات الورقية والبالونات، وتخوفات الاحتلال من هذه الظاهرة الليلية أنها مكنت الشباب من اقتحام الدشم العسكرية لجيشه، وبالتالي فإننا اليوم أصبحنا مع شباب مؤمن بأسلوبه وبطريقته أرسل البالونات أولاً واليوم يترجل ليقتحم ويضرب الرواية الأمنية للاحتلال، ويخلق بلبلة بين جنوده ويزيد من حالة عدم ثقته في قيادته المتهربة من غزة ومقاومتها. وإذا كانت بعض الألعاب النارية وأصوات الصافرات جعلت الجنود يهربون من مواقعهم، فإن كوماندز المقاومة سيكون قادراً على تغيير الواقع الجيوسياسي في المواجهات القادمة مع قوات الاحتلال في مناطق غلاف غزة.
وأمام هذه اللوحة المشرفة من القطاع، خرج خليل جبارين ليبث الأمل من جديد في صفوف شباب الضفة وغزة وليشعل لهيب الانتفاضة والمقاومة في نفوس المؤمنين بهذا الخيار. تقدم خليل وهو في ريعان شبابه ليوجه لطمة لقيادة العمل الرسمي الفلسطيني والتي بلغت من العمر أرذله وهي تحمي التنسيق الأمني وتقدسه.
عاد خليل بسكينه ليقطع الهسبراه (الدعاية لصالح إسرائيل في العالم) وهو ينتقم لدماء أهل غزة، معبراً عن شباب الضفة المكبلين بقيود أجهزة الحماية الأمنية لجنود ومستوطني الاحتلال، وعملية "غوش عتصيون" بعثت الأمل في نفوس الثائرين بغزة وهم يواصلون رباطهم وثورتهم على طوال حدود القطاع في خصوصية فريدة يمكن تلمسها في مجموعة من الملاحظات:
أولاً: وصل الانقسام السياسي إلى أعمق مراحله وتسللت حالة من اليأس لدى القواعد الشعبية التي تأمل انتهاء الانقسام الداخلي على قاعدة التمسك بالثوابت الوطنية، وبعيداً عن التنازل المفرط والذي ثبُت أنه لن يحفظ سلطة أو يحمي شرعية طالما لا تستند إلى حاضنة شعبية تلتف حولها وتدعم خياراتها.
ثانياً: ازدحمت وسائل الإعلام بالحديث عن خيارات غزة في ظل إطباق حالة الحصار وتعطل التوافق الداخلي والتهدئة مع الاحتلال، فجاءت سكين جبارين لتكون أبلغ رد على المحبطين الذين يحاولون أن يرسموا مشهد غزة بعيداً عن الوطن.
ثالثاً: إبداعات مسيرة العودة في غزة، وتواصل الفعل الجهادي في الضفة في ذكرى الفشل الخامسة والعشرين لاتفاق أوسلو يجعل من مشهد المقاومة بكل وسائلها وأدواتها البديل المنطقي لهذا المسار العقيم في ظل حالة الفشل الكبير لبرنامج التسوية.
رابعاً: نمتلك رصيداً شعبياً كبيراً من الجماهير المقاومة بفطرتها للاحتلال وجيشه، وترفض محاولات نسج الوهم بقدرة العلاقات الدبلوماسية على صنع دولة قبل إتمام مرحلة التحرر الوطني التي لازلنا نعيشها بكل تفاصيلها وفي كافة أماكن التواجد الفلسطيني.
خامساً: تجربة مسيرة العودة ومنذ انطلاقتها في الثلاثين من آذار الماضي أثبتت أن المتفاعلين معها وبقوة هم من يتسلحون بالمقاومة ولا يبحثون عن محطة جديدة للانسلاخ عن هويتهم المجاهدة، وبالتالي فإن عناوين الإثارة التي دفع بها البعض للتحريض على المقاومة وقواها فشلت أمام صدق الغاية وحقيقة الواقع.
خلاصة القول: نحن بحاجة إلى تعاظم الفعل الجهادي بالضفة، ومزيداً من التفاعل والإبداع لمسيرة العودة، ولغة سياسية حاضنة للمقاومة بكل أدواتها تجمعنا كفلسطينيين. وأحسب أن برنامج النقاط العشر الذي قدمه د.رمضان شلح قبل عامين، الروشتة الأمثل لمراكز القرار الفلسطيني وتنفذه منظمة تحرير فلسطينية معبرة عن قوى شعبنا الحية من خلال اقتراع مباشر وعبر صندوق انتخابات للمجلس الوطني.