نشر بتاريخ: 20/09/2018 ( آخر تحديث: 20/09/2018 الساعة: 10:56 )
الكاتب: داوود كتاب
تنفس المقدسيون الصعداء بعد سماعهم قرار الحكومة الأردنية تخفيض رسوم تجديد جواز السفر الأردني من 200 دينار أردني (نحو 280 دولار أميركي) إلى 50 دينارا أردنيا (نحو 70 دولارا أميركيا) والسماح لهم بتقديم طلبات إصدار الجواز الأردني من القدس من دون عناء السفر إلى الأردن.
يختلف الوضع القانوني والحياتي لسكان القدس عن باقي الأراضي الفلسطينية إذ أصبح المقدسيون أيتاما سياسيا. فالمواطنون الذين يبلغ عددهم نحو 330 ألفا، غير مسموح لهم الحصول على هوية أو جواز سفر فلسطيني، ومن الصعب جدا الحصول على جواز سفر إسرائيلي. فبين هذا وذاك، تحول المقدسيون إلى أشخاص يعيشون فراغا قانونيا في ما يتعلق بوثائقهم.
ومن هنا، اعتبرت اللفتة الأردنية بتخفيض رسوم إصدار جواز السفر مهمة ومؤشرا لاستعداد أردني لمساعدة سكان القدس على الصمود وتوفير الغطاء والمرجعية القانونية لهم، لغاية إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.
لا شك أن موضوع القدس حساس. ففي العام 1950 أصبحت القدس، كما بقية الضفة الغربية، جزءا من المملكة الأردنية الهاشمية بعد صدور القرار بتوحيد الضفتين. تعرض هذا الوضع لهزة كبيرة عند احتلال إسرائيل للضفة الغربية في حرب العام 1967 ومن ثم الانتفاضة الفلسطينية في العام 1987 وقرار منظمة التحرير الفلسطينية بإعلان دولة فلسطين، والذي نتج عنه قرار فك الارتباط مع الأردن.
شمل قرار فك الارتباط الأردني، الذي صدر في أواخر العام 1988، جميع المناطق المعلنة للدولة الفلسطينية بما في ذلك القدس الشرقية. لكن اتفاقيات أوسلو للسلام، والتي نتجت عنها السلطة الوطنية الفلسطينية، لم تشمل القدس التي ترك الاتفاق بشأنها لمفاوضات الحل النهائي.
حوّل هذا الوضع المعقد المقدسيين إلى أيتام سياسيين. فإسرائيل، من ناحيتها، ضمت أراضي القدس ولكنها لم تضم السكان، والسلطة الفلسطينية ممنوعة من التعامل مع القدس وسكانها تحت خطر العقاب الإسرائيلي.
ورغم أن كل فلسطينيي الضفة الغربية وقطاع غزة حصلوا على رقم وطني فلسطيني وهوية وجواز سفر، إلا أن السلطة الفلسطينية لم تستطع تقديم هذه الخدمة للمقدسيين.
بقي سكان القدس من الفلسطينيين يحملون جواز السفر الأردني، إذ سيطرت إسرائيل على القدس عندما كانت تابعة للأردن. حاليا، يستخدم المقدسيون جواز السفير الأردني كوثيقة سفر وليس كشهادة عن الجنسية الأردنية، رغم أن نحو 100 ألف مقدسي احتفظوا بجنسياتهم الأردنية التي حملوها قبل قرار الفصل.
وُضع ملف المقدسيين جانبا لفترة طويلة بسبب المحاولات الإسرائيلية للسيطرة على الأماكن المقدسة وخاصة المسجد الأقصى، الذي تتم حراسته من قبل حراس الأوقاف الأردنية في استمرار للوضع القائم منذ عام 1967. ونجح الأردن في الحصول على إقرار بحقه في أي مفاوضات نهائية حول الوضع القانوني للأماكن الدينية الإسلامية. ارتفع عدد حراس الأوقاف الأردنية كثيرا ووصل حاليا لنحو ألف موظف تابع للحكومة الأردنية، ويشمل هذا العدد حراسا وإداريين وخبراء سياحة وتعليم وعلاقات عامة.
في العام 2013 نجحت القيادتان الأردنية والفلسطينية في التوصل إلى اتفاق في ما يخص الأماكن الدينية الإسلامية والمسيحية في القدس، وينص على رعاية هاشمية أردنية لتلك الأماكن لغاية قيام الدولة الفلسطينية، لكن العنصر الإنساني بقي من دون حل.
منذ عام 1967 تقوم إسرائيل بإصدار وثيقة سفر للمقدسيين ترد فيها كلمة "أردني" في خانة الجنسية، لكن هذا التعريف تغير فجأة هذا العام، بحيث بات ينص على "غير معرف" بالنسبة للجنسية.
شجع قرار الحكومة الأردنية الأخير بتسهيل معاملات إصدار جوازات السفر الأردنية المقدسيين للمطالبة باستثنائهم من قرار فك الارتباط القانوني والسياسي؛ فهل آن الأوان للمطالبة باستثناء المقدسيين من فك الارتباط؟
قد يفهم البعض هذا التوجه بطريقة خاطئة. فهذا ليس تخليا عن الجنسية الفلسطينية، لكنه قرار مؤقت يهدف إلى وقف عملية الأسرلة التي تنتهجها السلطات الإسرائيلية عبر محاولة إقناع المقدسيين بالانضمام فكريا وعضويا لإسرائيل. فعملية الأسرلة، تتدخل في مجال التعليم والصحة والسياحة والإسكان والتجارة ولا بد من وقف التدهور لغاية التوصل إلى حل سياسي.
قد تحتاج الفكرة إلى تنسيق عال على مستوى القيادة بين الجانبين الفلسطيني والأردني، كما حدث في ملف الأماكن المقدسة.
يطالب سكان القدس، الذين باتوا أيتاما سياسيا، بالمساعدة؛ وعلى أي جهة قادرة على ذلك ألا تتأخر في تقديم الدعم لهم. لا يمكن التأخر أكثر وبات من الضروري إطلاق التنسيق والعمل العربي المشترك لحماية المقدسيين.