الخميس: 28/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

إشكالية الخطاب الديني عندما يدخل معترك السياسة؟!

نشر بتاريخ: 22/09/2018 ( آخر تحديث: 22/09/2018 الساعة: 13:53 )

الكاتب: وليد الهودلي

لا يمكن فصل الدين عن السياسة، وهذا الفصل أصبح غير وارد لا دينيا ولا سياسيا ولا واقعيا، فلا السياسي المحض قادر على النأي بنفسه عن الدين كعامل مؤثر في المعادلة السياسية، ولا المتدين المحض قادر على النأي بنفسه عن السياسة وتداعياتها وتأثيرها في المجتمعات العربية والاسلامية لان الدين مكون اساسي من مكوناتها ان لم يكن المكون الاكبر.. والسبب في ذلك ان هناك تداخل ملموس في واقعنا ووجداننا وتفكيرنا للدين والسياسة، فالدين مطلوب منه أن ينتج مجتمعا صالحا، فاذا كانت السياسة في المجتمع معطوبة ويقودها أناس فاسدون فلا معنى للمجتمع الصالح الذي نتحدث عنه. وكذلك لا يعقل أن ينتج الدين نتاجه في المجال الاخلاقي وفي كل جوانب السلوك ما عدا الجانب السياسي والسلوك السياسي لقادة البلد.
وعلى هذه المعادلة نجد ألوانا من الخطاب الديني:
• نجد من الخطابات الدينية ما تبتعد عن السياسة وتعتبر نفسها أنها أنقى وأطهر من أن تلوث خطابها بملوثات السياسة، تحافظ على طهرها وتبتعد عن الجدل الدائر والمناكفات الساخنة بين خصومها، ولا ترى مناسبا أن ينزل الدين من عليائه الى مستوى العامة من الناس والسياسيين وأن يدخل معتركا يلحق بصورته النقية الضرر ويضعه تحت مطرقة وسندان الصواب والخطأ .. يفضل أن يبقى في السليم وفي المساحة التي لا يختلف عليها أحد.
• ونجد من الخطابات الدينية بالمقابل من تقحم نفسها في السياسة بطريقة فجة وعلى قاعدة الحلال والحرام بحيث تعطي رأيها الديني حكم الدين نفسه وتسقط عليه ذات القداسة، وذلك من أجل أن تنجح في الانتصار له وترويجه وادخاله الى عقول الناس من البوابة الدينية. هنا يصعب التراجع عن اجتهاداتها حالة اكتشاف الخطأ فيها فتأخذها العزة بالاثم وتستمر في حربها على خصومها على قاعدة عنزة ولو طارت. ولا تبين للناس ان عملها السياسي في دائرة الاجتهاد البشري وانما الدين خطابها وخطابها هو الدين.
• وهناك خطابات ثالثة أعتقد أن جل الحركات الاسلامية العاملة في الميدان الفلسطيني قد وصلت اليه، افكار وخطابات تسترشد في الدين وهو يشكل مرجعيتها في الاجتهاد، وتراعي المبادىء الدينية العامة ومقاصده السامية ولكنها في مساحة السياسة للعقل والخبرة البشرية دورهما الكبيران، وبالتالي وطالما انه جهد بشري فالصواب والخطأ واردان، تبذل قصارى جهدها لاصابة الموقف الذي تتحقق فيه غايات الدين وروحه، وفي نفس الوقت تتحقق فيه مصالح الناس، وهذه معادلة ليست سهلة وانما يتقنها اهل العلم وأهل الدراية في واقع الناس وقدراتهم وامكاناتهم المادية والمعنوية وأهل الخبرة والتجربة، فكلما ازداد هؤلاء علما في الدين وعلما في دروب السياسة وتفاصيل الحياة وخبرة في العمل السياسي وقدرة على تقدير المصالح وكذلك معرفة العدو وتوجهاته ومقدراته، كلما أصبحوا على قدرة عالية في تقدير الموقف والخروج بالاجتهاد الرشيد.
• وعلى هذا يجب ان يكون الخطاب الديني متوازنا وعلى فهم ووعي بالسياسة واحوال الناس حتى اذا اسقط النص الديني كان اسقاطا رشيدا ومتوازنا وفيه تحقيق تام لمقاصد الدين ومصالح الناس في آن واحد.
ولا بد من الانتباه أن هذا الخطاب الواعي دينيا وسياسيا يتطور ولا يقف عند حد فمن معترك العمل السياسي والتقييم الدائم لما سبق من اجتهادات وشجاعة الاعتراف بالخطأ والقدرة على التصويب واتقان التفكير الجماعي واتقان مهارة الشورى والاستفادة من تجارب الاخرين الناجح منها والفاشل، كل هذا يضع اصحاب هذا الخطاب في حالة تطور دائم، بينما الاخرون سواء أصاحب القداسة الدينية المسحوب على تفكيرهم السياسي أو أصحاب القداسة الدينية في الناي بالنفس عن المعترك السياسي فانهم جامدون لا يتطورون.