نشر بتاريخ: 05/10/2018 ( آخر تحديث: 05/10/2018 الساعة: 09:36 )
الكاتب: جدعون ليفي
يئير لبيد، بطلبه البشع من ريال مدريد "بأن تعتذر" لاستضافتها عهد التميمي، يؤكّد، أن اللقاء في مدريد "يدلّ على جهل المستضيفين بالمُطالبين بإبادة دولة إسرائيل". لنترك جانبا قُدْرة فتاة ابنة ال- 17 سنة مسلوبة الحقوق ولنترك عُقْدة الخوف الإسرائيليّة المُفْتَعَلة منذ 54 سنة. من خلال الحديث عن الغباء بالنسبة لما يحدث في ظلّ الاحتلال يمكن أن نقرر، أن مُضيفي عهد التميمي في مدريد يعرفون عن الاحتلال أكثر بكثير من القائد السياسي المُقيم في رمات ابيب ج، حيث يمكن الجَزْم بأن قدمه لم تطأ قرية النبي صالح أبدا. وأنه يتغذّى بالمعلومات من جيش الدفاع الإسرائيلي، ومن الشاباك ومن الإعلام الإسرائيلي، ويمتنع عن اللقاء مع فلسطينيين أو عن زيارة مناطقهم ككثيرين غيره من السياسيين الإسرائيليين، ولبيد لا يعرف شيئا عن الحياة وعن السكان في هذه القرية المثابرة على النضال، أو عن أيّ مكان آخر يبعد عن بيته نصف ساعة سفر فقط.
لبيد لا يشذّ عن القاعدة بغبائه. كل قارئ عادي للصحف في غرب أوروبا يعرف عمّا يجري في ظلّ الاحتلال أكثر من غالبيّة الإسرائيليين. يعْلَن عن الحقيقة البسيطة في الإعلام العالمي، الحقيقة المَخْفيّة عن القارئ الإسرائيلي والمغلفة أمامه بطبقات متراكمة من التخويف والأكاذيب. هناك لا يقومون بشطف الأدمغة بعبارات مثل "المخربة" ابنة أل 17 سنة، أو "عائلة القَتَلَة"، أو"قرية المُخرّبين"، أو إبادة إسرائيل، أو بالإرهاب السياسي أو بإرهاب الطائرات الورقيّة. هناك يقولون بصراحة كيف تبدو الحياة في ظلّ الاحتلال وما هو الدافع لمقاومة الاحتلال.
في ريال مدريد يرون بعهد التميمي بطلة، ورمزا يثير التقدير والاحترام والتضامن ضد المقاومة المشروعة للاحتلال، وضد المُقْتحم الوحشي بالقوّة لقريتها. هل هناك وصف آخر للحياة في قرية النبي صالح؟ باستثناء جريدة "هآرتس" ومراسلَيْن أو ثلاثة في الأراضي المحتلّة لوسائل إعلام أخرى، يحاولون تقديم تقارير صحيحة فيُقابَلون بمعارضة من رؤساء تحرير صحفهم، إن المعلومات عن الأراضي المحتلة مزوّرة ومضلِّلَة. كلهم هناك مخربون. يستيقظون في الصباح - مخربين. ويذهبون للنوم – مخربين. وُلِدوا ليقتلوا يهودا. لا مكان لكل ما يتعلّق بالاحتلال في الإعلام الإسرائيلي. لا أحد يقبل وصف الحياة اليومية هناك. لا أحد يجرؤ على وصف الفظاعة والجرائم. مصدر المعلومات الوحيد لما يجري في مخيّم بلاطه هو جيش الدفاع الإسرائيلي والشاباك.
شطف الأدمغة، زاد كثيرا بعد الانتفاضة الثانية، لم يَعُد يسمح بوصف معقول لواقع الحياة في الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة. إسرائيل مستعدة لقبول معلومات مُزيّفة ومعلومات قريبة من الدعاية الإسرائيليّة عمّا يحدث هناك، وقبول معلومات قريبة من التحريض والتمويه. المحاولات لوصف فظاعة الحياة في غزّة، مثلا، قليلة جدا في الإعلام الإسرائيلي عمّا هي في الإعلام العالمي، وهي أيضا تثير النقد والغضب. الإسرائيليون مصمّمون على المَيْل لعدم المعرفة وعلى إصرارهم على التقوقع بغبائهم.
عهد التميمي تشجّع العنف والإرهاب. لقاؤها مع ممثلي ريال مدريد يدلّ على على جهل المستضيفين بالمُطالبين بإبادة دولة إسرائيل. لا فرق بين مَنْ يحرّض على الإرهاب في إسرائيل وبين مَنْ يحرض عليه في إسبانيا. على ريال مدريد أن تعتذر،لأن أحترام عهد التميمي احترام للإرهاب. - يئير لبيد Yair Lapid (@yairlapid) 30 2018
إسرائيل تمنع الصحفيين من دخول غزّة منذ اثنتي عشرة سنة، ولا أحد يحتجّ. كما أنّ مدن الضفة الغربيّة؛ وقراها ومخيمات اللاجئين فيها تحظَى بزيارات إعلاميين أجانب أكثر مما تحظى به من زيارات لصحفيين إسرائيليين. والنتيجة: جهل مُخيف، مع أفكار مُسْبَقَة، صور نمطية، خوف، كراهيّة عجرفة واحتقار لكل ما له علاقة بالفلسطينيين. مع انعدام أيِّ اتصال مباشر بين الشعوب، إن تأثير المعلومات المُحرِّضَة على بلورة الأفكار في إسرائيل أمرٌ مصيريّ.
لا زال من الممكن الاعتقاد، ربّما بسذاجة زائدة، لو أن الإعلامي يئير لبيد، وليس السياسي، زار قرية النبي صالح، واطّلع بفكر مُنْفَتِحٍ وليس مُحرَّضا، على الحياة وعلى الناس هناك، على نهب أراضي القرية وعلى مظاهر الأبرتهايد المقابلة لمستوطنة حلميش، كان سيصفّق لريال مدريد على حفاوتهم وضيافتهم التي تعزز الافتخار بابنة القرية، لأنها تجرأت وتصدت للمُحْتلّ وتمكّنت منه.
ربما لأن الحقيقة أن عهد التميمي هي ما لم يكن مثله يئير لبيد ولن يكون مثله-محاربة شجاعة، مستعدّة لأن تدفع ثمنا غاليا، وُلِدَت وترعرعت في ظلّ الاحتلال وتحولت لرمز النضال العادل ضدّه، مقابل الفتى الذهبي المدلّل، الفتي الذي لم يجاهد في حياته من أجل شيء ولم يحظ بقليل من الشجاعة – هذه هي الحقيقة التي تثير مئير لبيد، ومعه طائفة الخراتيت الإسرائيليين الكبيرة جدا.
هآرتس، 4.10.2018 ترجمة: أمين خير الدين