نشر بتاريخ: 18/10/2018 ( آخر تحديث: 18/10/2018 الساعة: 13:00 )
الكاتب: تحسين يقين
رام الله - معا - اثارت الرواية استمتاعنا وتفكيرنا حول مصيرنا الشخصي والوطني والقومي؛ بما اشتبكت به من موضوع يشكل تحديا للمجتمع العربي.
وذلك هو دور الرواية والادب والفن..
لعله الرواية دعوة نبيلة لنا لنخلّص أنفسنا، ومكاننا، وهذا الزمن والزمن القادم، تلك هي الرسالة، أما النبوءة، فصارت نبوءات متوالدة، متولدة من هذا التراب، فلا يخلص الحب بنفسه، بل بنا حين نريد!
تثير سردية الكاتب د. سرمد التايه عمق تفكيرنا وشعورنا، وزادت حركة أسئلتنا، بما يضمن جدية التفكير الإنساني بالذات والمجموع، فعبث هو خلاص الذات، إن لم يقترن بخلاص البلاد.
ليست صفة الأنانية فقط، بل هي تضييع الوقت، والجهد والأحلام.
هنا في ظل انشغال الذات بمشاعرها وهمومها، فلا انعزال لها عن محيطها؛ هي تلك الخيوط والخطوط، لا الحظوظ والصدف؛ فتقرير مصير الذات هو مصيرنا معا، في الوطن الواحد، وفي وطن العروبة، حيث تتقاطع طرق مصائرنا معا، فتصير المصائب كلا واحدا، وتصير الأفراح فرحا، في ظل المصير الذي نسعى إليه ويسعى إلينا.
سردية الفرد، والأسرة، في المجتمع، بما تؤثر وتؤسس ظروف الأوطان من مشاعر وأفكار سلبية علينا، حيث يصبح المجال مفتوحا لرية المشاعر والأفكار.
رواية مصير الإنسان العربي، الذي ينشد الخلاص والسلام؛ ليكتشف أخيرا بأنه لا خلاص حقيقي وسلام دائم، إلا بأن نقطفه معا. تلك هي شروط العروبة واستحقاتها.
هو أدب إنساني صاف، وطنيا، وقوميا، للمتنقل بين فلسطين والعراق طلبا لعشب الأمان والحب، وماء الاستقرار النفسي والاجتماعي، عبر رحلة الفرد.
لا خلاص للذات مهما كانت بريئة وطيبة النوايا؛ ففي ظل الحروب التي لا تستثني الأبرياء سيكونون عرضة لدخانها، وستتضاعف المأساة، حين نقع فريسة نزاعاتنا الشخصية والقبلية.
ما إن يهنأ الفلسطيني الذي اتخذ العراق سكنا، حتى يصاب البلد الشقيق بنكبة؛ كأن كتب على العربي، والفلسطيني بشكل خاص، بالاستمرار بدفع أثمان مجرد البقاء!
وما أصعبه من ثمن حين يكون طفلا بريئا، حيث تتضاعف الحسرة والمأساة.
بين انتفاضتين جديدتين وأولى سبقت، تنمو البذرة الفلسطينية المحتلطة بتراب العراق فتصيرة أسرة، يندمج الدم الفلسطيني والعراقي عبر الحب والزواج. يزور وطنه الأول فلسطين، فتتشظى الأحوال، فما أن تسقط العراق في مستنقع الحروب والاحتلال، حتى تتوالد النكبات، عبر اختلاق الطوائف، فيصير القتل على الاسم.
يصبح الفلسطيني معلقا بين مصيرين، لا هو قادر على الالتحام مجددا بأسرته هناك، ولا تلك الأسرة بقادر أن تصير هنا.
هنا وهناك، استطاع د. سرد تايه التعبير عن هذا التعلّق، أكان التعلق حبا، أو التعلق بين الأماكن بانتظار الخلاص.
نص روائي جميل مشوق، وأسلوب معبر عن تفاصيل المشاعر الذاتية وسط المشاعر الوطنية والقومية، حيث تتعانق وتتكامل معا، فيصير التعبير عن الحياة الجامعية وتنافس الطلبة، ومشاعرهم/ن الرومانسية معمقا للمشاعر الجمعية، والإنسانية في عمقها، فتصير توترات الطلبة لا شيء أمام المآسي التي يحتاج البشر تضامنهم معا حتى يعبروها.
بل إن اللغة لدى الكاتب، في تجربته الروائية الأولى، لغة إبداعية، تسرد بجماليتها وتفاعلاتها سردا آخر موازيا ومعمقا للسرد الروائي.
ولعل الكاتب-العالم، القادم للأدب من مجال العلم، جعل لغته مختبرا ذكيا، مانحا للغة دورها الإيحائي بدون تكلف، وربما هذا أحد أهم الإبداعات هنا.
كأن الرواية جاءت لتؤكد أيضا منظومة الخلاص الوطني والقومي، حيث يصير الخلاص الوطني لكل بلد عربي هو خلاص وطني فلسطيني.
أي أنه الخلاص الوطني هو خلاص قومي ويؤسس له؛ ويصبح الخلاص القومي خلاصا وطنيا، بل خلاصا فرديا.
وبهذا الخلاص الفعلي تصبح البلاد العربية كل بلد جنة، إنها جنة منشودة، بما تحتوي من غنى وخصوبة.
بهذا الوعي الفكري، انطلق الكاتب وانطلقت الرواية، التي بحثت عن شكلها الجمالي، فوجدت شكل الرواية، الذي يمنح فرصة التفكير.
لذلك، يمكن تلقي الرواية فلسطينيا وعراقيا وعربيا، حيث يجد العربي نفسه فيها، فكل وخصوصية التحدي؛ فحين يضيق المكان بأهله فجأة، بمبررات واهية، يصبح الجنون سيد الموقف، وتصير البلاد جهنما..
بين زمنين فلسطينيين، هما زمنا الفعل الثوري الشعبي، فعل الانتفاضتين، نمت البذرة الفلسطينية بشكل طبيعي في الوطن الثاني، يندمج الدم العربي: الفلسطيني والعراقي عبر الحب والزواج كرمز لما هو أبعد في العلاقة. وبين مكانين يعانيان من الحروب، يصير المكانان مكانا طاردا للعيش، فكل ونزاعه، لكن النزاع هنا مع الاحتلال، وهو أمر طبيعي كون الاحتلال نقيضا، لكن ما هو غير طبيعي هو أن يصير الأخ نقيضا للأخ، عبر الطائفية المقيتة، المؤسسة لاستمرار الضعف والتشظي.
وبذلك، فإننا أم روائي مسكون بالخلاص القومي، وجد في الرواية مجاله لطرح أفكاره، عبر جمالية اللغة، وجمالية العلاقات الاجتماعية والقومية.
ولعله من روائيين آخرين تناولوا موضوع التشظي، وما آل اليه من عنف واغتراب، في عدد من البلاد العربية، مما يعني أن الأدب دوما ينتصر للإنسانية، التي يسطو عليها المتنازعون جريا وراء المصالح.
لقد اندفع الكاتب من مشاعره، وفكره، قادته الأحداث حينا، وقادها حينا آخر، وصولا لتكرار التعلّق من جديد، عبر تركه لمصير الفلسطيني مفتوحا في النهاية.
هي إذن معا، ذواتنا كأفراد وجماعات ودول.
[email protected]