نشر بتاريخ: 30/10/2018 ( آخر تحديث: 30/10/2018 الساعة: 11:48 )
الكاتب: د. حسن عبد الله
في السنوات الأخيرة أثلجت صدورنا مجموعة من القرارات والإجراءات والتصريحات التي تؤكد أن المستوى الرسمي الفلسطيني بات معنياً بالتعليم المهني والتقني، وأن هناك قلقاً متزايداً من أفواج الخريجين المحصورين في قوالب التخصصات النظرية، الذين يلتحقون بعد تخرجهم بأفواج العاطلين عن العمل، فيما تجاهر الوزارات والمؤسسات الرسمية وغير الرسمية، أن المخرج من هذه المعضلة يكمن في التعليم المهني والتقني، على اعتبار أن خريجي التخصصات المهنية والتقنية من السهل أن يجدوا فرصاً لهم في سوق العمل.
وضمن هذا التوجه تم الإعلان عن خطط واستراتيجيات للنهوض بهذا النوع من التعليم ونحن هنا لا نقلل من أهمية الاستعدادات النظرية لدعم التعليم المهني والتقني، النابعة في الأساس من تبلور قناعة مفادها، أن الضعف الذي يعانيه هذا التعليم ناتج عن تقصير قديم، وعدم قدرتنا على مواكبة ما حققته دول كثيرة استطاعت من خلال المهني والتقني، أن تقلص عدد العاطلين عن العمل لديها، وفي مقابل ذلك تمكنت من ضخ دماء جديدة في شرايين التنمية المستدامة في مجتمعاتها.
ومن الطبيعي أن يتضرر التعليم المهني والتقني في بلادنا خاصة في سنوات الاحتلال من السياسات التي تستهدف التعليم بشكل عام، بيد أنه في المقابل هناك خلل في العامل الذاتي، من حيث الاصطفاف خلف نظرة تقليدية خاطئة تعطي الغلبة للتخصصات النظرية على حساب العملية والتقنية، وهذه النظرة تشاركت فيها المؤسسات وأولياء الأمور بل والمجتمع بشكل عام.
أما والمعنيون في الأمر يتبارون هذه الأيام، في تبيان ما أحدثه التعليم المهني والتقني من قفزات نوعية في العالم، فمن المهم أن تُقدم التسهيلات للمعاهد والكليات والمدارس التي تعمل في المجال المذكور، من خلال دعم التخصصات القائمة واعتماد تخصصات جديدة في التعليم المهني والتقني، للافساح في المجال لأكبر عدد من الطلبة للالتحاق بالتخصصات المهنية والتقنية، في حين أن المطلوب من المؤسسات التعليمية ذات الاختصاص أن تُقرن العملي بالتقني، لأن القرن الواحد والعشرين هو قرن تقنيات، ولا يجوز التعاطي مع هذا التعليم تحت سقف أساليب وامكانيات قديمة، أي أننا نحتاج إلى مختبرات حديثة وأجهزة محوسبة ومعرفة ودراية بكل ما وصلت إليه التكنولوجيا، كي لا يكون تعليمنا يمسك فقط بذيل التكنولوجيا، لذلك نحن بأمس الحاجة إلى مواكبة حقيقية، كون المتغيرات تجتاح المجال التكنولوجي بشكل سريع ومفاجئ وصادم، وأن التعامل معها يتطلب انفتاحاً على آخر المنجزات المتحققة على هذا الصعيد، لا سيما وأن التعامل مع العصر بمفاتيح تقليدية مستهلكة تجعل التعليم وأي نوع من التعليم يدور في حلقة مفرغة، يكرر أساليبه ومصطلحاته مفاهيمه دون أن يخطو خطوةً واحدة إلى الأمام.
وفي حقيقة الأمر أن أية نقلة نوعية في أي مجال من مجالات الحياة، لا تحدث بلا مقدمات ودون أن يسبقها تراكمات كمية تتحول لاحقاً إلى تغييرات نوعية، حينما تتوافر لها مقومات واشتراطات النضج والتهيئ للانتقال من مرحلةٍ إلى أخرى.
إن العاملين في حقل التعليم المهني والتقني في بلادنا ابتداءً من المدارس الصناعية والمهنية ومروراً بالمعاهد والكليات وانتهاءً بالمستويات الجامعية في البكالوريوس والماجستير والدكتوراة، ينبغي أن يلمسوا أن توجه دعم التعليم المهني والتقني ليس مجرد بيانات صحفية أو كلمات تُلقى في مناسبات معينة، وإنما من خلال توظيف طاقات وقدرات كبيرة في تحريك عجلة المهني والتقني وتقديم كل أشكال الدعم والاسناد للتخصصات التقنية واستحداث مزيد من البرامج وتشجيع طلبة الدبلوم المتوسط، لأن هذا المستوى التعليمي (مهنياً وتقنياً) يضطلع بدور شديد الأهمية في الدول المتقدمة.
ومن الطبيعي أن حماس وزارة التربية والتعليم العالي للتعليم المهني والتقني وإيمان الوزير د.صبري صيدم بضرورة العمل على تنشيط وتفعيل وتوسيع المهني والتقني في فلسطين، من شأنه أن يشكل بيئة مشجعةً للعمل على انجاز هذه المهمة التعليمية التنموية بما يليق بشعب عريق يتطلع دائماً للانتصار على قيوده والانطلاق في كل الميادين والمجالات، إلا أن استثمار هذه الأجواء من قبل المعنيين أي الجهات التنفيذية، من المفروض أن يذهب بعيداً في تطبيق استراتيجية التعليم المهني والتقني وهي موجودة منذ بضع سنوات، ليصبح كل بند فيها داعماً ومشجعاً، ومسهلاً وراعياً للتعليم المهني والتقني في بلادنا.