الأربعاء: 15/01/2025 بتوقيت القدس الشريف

الفلسطيني وشجرة الزيتون..

نشر بتاريخ: 04/12/2018 ( آخر تحديث: 04/12/2018 الساعة: 11:23 )

الكاتب: وليد الهودلي

شجرة الزيتون شجرة تضرب جذورها في فلسطين منذ كانت فلسطين، تتشبث بالارض المباركة فترسل رسلها الى اعماقها فتمدها بخلاصة مدادها ولا تبخل عليها، فتأتي بماء الحياة وروحها العظيمة لتلج الى مصانعها النورانية، فتحيلها هذه المصانع الى ثمر يانع خضاره، مشرق رحيقه، يؤكل ويعصر، أكله لذة وطعمه شهي للاكلين وعصيره شفاء وإدام يسد جوع الجائعين دون أي سند من الاخرين.
واذا جف القطر في سنة من السنين، فانها تتراجع خطوة ويخبو أوارها قليلا ولكنها ما تلبث أن تسترد عافيتها وعنفوانها فتعوض في السنة التالية وتعطي عظيم عطائها، لا تتخلى عن أصحابها ولا تمكر بهم ولا تدير ظهرها لهم، بل على الدوام عاكفة بحنانها مقبلة بضيائها لا ينام لها جفن حتى تعطي وتروي، تطعم وتشبع، تضيء وتزهر، تشبع العين بدوام اخضرارها دون ان يقدر الخريف على النيل من جمالها ولا عواصف الشتاء قادرة على خلع لباسها وحشمتها ووقارها، مرفوعة الراس واثقة من عطائها الذي لا ينضب ولا يكف عن السخاء والكرم على أحسن صوره وأبهى تجلياته.
الفلسطيني هكذا تماما كشجرة الزيتون، ضارب جذوره في فلسطين منذ كانت فلسطين، له علاقة حميمة عميقة عريقة مع هذه الارض فيتبادل الحنين والعشق ويستمد من مداد الارض هذه العراقة الممتدة الاف السنين والمتصلة بسلالة الكنعانيين وكل من سكنها من سكان أصليين منتمين لبركتها واصالة روحها، أصل هذا الفلسطيني ثابت في الارض وفرعه في سماء لا حدود له ، قد شارك في رسمه كل من تفاعل مع بركتها وتتلمذ على تاريخها فصار طائرا في سمائها.
الفلسطيني يدخل الى مصانعه النورانية مداد هذه الارض فتحيلها هذه المصانع حيث تسكن ارادة الفلسطيني الى ثمر يانع خضاره ، مشرق رحيقه ، رحيم رؤوف متسامح محب للاخرين ، طيب معطاء كريم مشرّع ذراعيه فاتح صدر بيته مرحب مضياف ، يقري الضيف ويحنو على المسكين ويفرج كربة المكروب وينصر المظلوم ويلقي بحممه على الظالمين محولا نوره الى نار ، سخطة على المحتلين الجامحين ورحمة بالمستضعفين . سرعان ما يتحول الى ثورة ونجدة ونخوة وشجاعة وتضحية في لمحة عين اذا لامس اشراقته ظلام الظالمين .
واذا جف قطر الثائرين في سنة من السنين وخبى نوره وناره فانه سرعان ما يسترد عافيته وعنفوانه ، فينتفض ويثور ويفاجىء كل من راهن على تراجعه وخموله ،
فيعوض في السنة التالية ويعطي عظيم عطائه ، لا يتخلى عن قضيته ويدير لها ظهره ، بل سرعان ما يثوب الى رشده وضيائه فلا ينام له جفن حتى يعطي ويروي ، يطعم ويشبع ، يضيء ويزهر ، يثور ويحرق مكر الظالمين ويقلب الطاولة عليهم ، فلا صفقة قرن ولا غطرسة محتل ولا دهاء وتآمر ممن يزعم انه اخ وصديق ، اعرابي قميء لا وزن له الا كما تزن الذر ، لا يقدر على نوره الملتهب كما لا يقدر الخريف على النيل من جمال وخضار زيتونه ، وكما لا تقدرعواصف الشتاء على النيل من صلابة جذوره وعنفوان فروعه، مرفوع الراس واثق من عطاء ثورة رجاله التي لا تنضب ولا تكف عن السخاء والكرم والجهاد والتضحية والفداء على أحسن الصور وأبهى وأعظم التجليات .