نشر بتاريخ: 08/12/2018 ( آخر تحديث: 08/12/2018 الساعة: 12:04 )
الكاتب: سامر سلامه
غرينبلات وسياسة التحريض على القيادة الفلسطينية "يأتونكم بثياب الحملان وما هم إلا ذئاب خاطفة""متى15:7"
يبدو أن مساعد الرئيس الأمريكي والممثل الخاص للمفاوضات الدولية جيسون دي غرينبلات قد نصب نفسه راعيا وحاميا ومدبرا وحافظا لحقوق الشعب الفلسطيني. إذ يحاول هذا الرجل أن يظهر بأنه حريص على الشعب الفلسطيني ومصالحه ومستقبله في محاولة منه ومن الإدارة الأمريكية الحالية لتسويق ما يسمى بصفقة القرن التي ترفضها القيادة الفلسطينية ومن ورائها الشعب الفلسطيني. فقد أطل علينا السيد غرينبلات قبل أيام ومن خلال مقاله تم نشرها (مدفوعة الثمن) في بعض وسائل الإعلام الفلسطينية، يتهم من خلالها القيادة الفلسطينية بالعمل ضد مصالح الشعب الفلسطيني.
وقد ركز غرينبلات في حججه على المنافع الإقتصادية والفرص الهائلة التي تنتظر الشباب الفلسطيني التي لا يستطيع الوصول إليها بسبب معارضة القيادة الفلسطينية ومنعها للشباب الفلسطيني من الإستفادة من تلك الفرص المتاحة. ويطلق غرينبلات العنان لتحريضه بإتهامه للقيادة الفلسطينية بأنها تحرم هؤلاء الشباب الموهوبين من الإستفادة من الفرص التي ستعطيها لهم إسرائيل كونها الدولة الأكثر تطورا من الناحية التكنولوجيه وبذلك فإن القيادة تحرمهم من رفاهية العيش!.
ويستمر السيد غرينبلات في إستعراض حججه المزيفة بأن الإدارة الأمريكية تسعى لتحقيق السلام في الوقت التي تسعى فيه القيادة الفلسطينية للحصول على مساعدات إقتصادية بإتفاق سلام أو بدونه. ويحاول السيد غرينبلات من إستعراض المنافع الإقتصادية الكبيرة التي يمكن للشعب الفلسطيني الحصول عليها في حال تعاون مع الإدارة الأمريكية في طروحاتها. وذهب غرينبلات أبعد من ذلك إذ أطلق تهديدات مباشرة وغير مباشرة بمزيد من العقوبات ليس فقط من طرف الولايات المتحدة وإنما من أطراف عالمية أخرى لإجبار القيادة والشعب على الرضوخ لبرنامجهم وخططهم وكأنهم وكلاء عن الشعب الفلسطيني. كل ذلك في محاولة يائسة منه ومن إدارته للتحريض الواضح والفاضح على القيادة الفلسطينية بسبب رفضها المطلق للتعاطي مع ما يسمى بصفقة القرن. فإنني هنا سأفند حجج السيد غرينبلات من منظور إقتصادي بحت وذلك لكي يعلم هو وإدارته بأن السياسة الأمريكية الحالية إتجاه القضية الفلسطينية لا تستند إلى أي أسس موضوعية أو قانونية أو حتى أخلاقية. والسياسة الأمريكية الحالية إتجاه القضية الفلسطينية ما هي إلا صدى لما يردده قادة الإحتلال وإصرارهم للتنكر لكافة القوانين والمواثيق الدولية.
فإنني أولا أود أن أذكر السيد غرينبلات بأن عدم قدرة الإقتصاد الفلسطيني من النمو وتوليد فرص عمل جديدة للشباب الفلسطيني سببه الإحتلال الإسرائيلي المدعوم أمريكيا والذي يعمل (الإحتلال) ليل نهار على تقويض الإقتصاد الفلسطيني وإلحاقه بالكامل بإقتصاد الإحتلال. فإن تنكر الإحتلال الإسرائيلي لكافة الإتفاقيات الموقعة برعاية أمريكية وعلى رأسها بروتوكول باريس الإقتصادي هو المعيق الأول والأخير لنمو الإقتصاد الفلسطيني. فإن منع حكومة الإحتلال أي إستغلال للموارد الكامنة في المناطق المصنفة "ج" إضافة إلى تقييد حركة العمال والبضائع داخل وبين المناطق الفلسطينية، وتقييد التجارة الدولية هي التي تعيق وتدمر الإقتصاد الفلسطيني وليس سياسات الحكومة الفلسطينية التي لا تملك أي شكل من أشكال السيطرة على الحدود والمعابر والمناطق المصنفة "ج". وفي ما يتعلق بمزايا التكنولوجيا فإن السيد غرينبلات يتعامى عن سياسة حكومة الإحتلال التي تقيد الفلسطينيين من إستخدام وسائل الإتصالات والتكنولوجيا المتطورة، وبالرغم من ذلك فإن نسبة البطالة في أوساط خريجي تكنولوجيا المعلومات تكاد تلامس الصفر وذلك يعود لتشجيع الحكومة الفلسطينية للإستثمار في قطاع التكنولوجيا وتسهيل وصول الشباب الفلسطيني إلى شركات التكنولوجيا العالميه حيث نجح العديد من رجال الأعمال الفلسطينيين من التعاقد مع عدد لا بأس به من شركات التكنولوجية العالمية في أوروبا والإمارات العربية والهند والولايات المتحدة وحتى في إسرائيل وبالتالي تشغيل عدد كبير من الشباب المتعلمين والموهوبين في تكنولوجيا المعلومات. كذلك أود أن أذكر السيد غرينبلات بأن سوق العمل الإسرائيلي الذي يحاول تسويقه على أنه واحة خصبة لعمل الفلسطينيين ما هو إلا سوق يمارس أبشع أنواع الرق على العمال الفلسطينيين إذ يمارس المشغل الإسرائيلي شكل من أشكال العبودية على العمال الفلسطينيين الذين يتعرضون للبيع والشراء بين المشغلين الإسرائيليين بحكم أن المشغل الإسرائيلي من يملك تصريح العمل وليس العامل نفسه. كما أن الإجراءات العنصرية التي تمتهن كرامة العامل الفلسطيني عند عبوره الحواجز العسكرية الإسرائيلية للوصول إلى مكان العمل فيه خرقا واضحا للمواثيق الإنسانية الدولية، أضف إلى ذلك فإن بيئة العمل الإسرائيلية تفتقر لأبسط معايير العمل اللائق المعتمدة من قبل منظمة العمل الدولية!. كل ذلك معلومات بسيطة يتداولها الإنسان الفلسطيني البسيط وليس خبراء الإقتصاد. وعليه فإن وعودات غرينبلات بالإنعاش الإقتصادي ومحاولة وصف سوق العمل الإسرائيلي على أنه جنة عدن ما هي إلا محاولة يائسة لن تقنع أبناء الشعب الفلسطيني الذي يختبر كل يوم زيف الإدعاءات الأمريكية.
إن حجج السيد غرينبلات بالإنعاش الإقتصادي للشعب الفلسطيني ما هي إلا تأكيد بأن الإدارة الأمريكية قد تبنت رؤيا رئيس وزراء دولة الإحتلال وتساوقت معه بالترويج لما يسمى بالسلام الإقتصادي على حساب إنهاء الصراع الذي جذوره سياسية وحقوقية لشعب شرد من وطنه ولا يزال يرزح تحت نير إحتلال عسكري كولنيالي معتقدا بأن الحقوق الوطنية والشخصية والكرامة الإنسانية للشعب الفلسطيني يمكن شرائها بالمال أو إستبدالها بمنافع إقتصادية إفتراضية.
ومن هنا أود أن أوجه رسالة للسيد غرينبلات مفادها أن سياسة إدارتكم الرامية للتحريض على القيادات الوطنية للشعوب لن تجدي نفعا في فلسطين فإذا نجحت سياستكم في العراق أو أفغانستان من خلال الجلبي أو كرازاي فإنكم لن تجدو في فلسطين من يتعاطى معكم أو مع خططكم المشبوهة لتصفية القضية الفلسطينية. وأنصحكم وأنصح إدارتكم بمحاولة فهم الشعب الفلسطيني وطموحاته الوطنية بإقامة دولته المستقلة وإحترام حريته الكاملة في تقرير مصيره بدل من محاولاتكم اليائسة لإثارة الشعب الفلسطيني على قيادته. فالشعب الفلسطيني قد إختبر سياساتكم المنحازة للإحتلال طوال السبعين سنه الماضية. وهو يعلم علم اليقين بأنكم منحازون للإحتلال. فإن إغرائه بمنافع إقتصادية لن تدفعه للتخلي عن طموحاته الوطنية بالحرية والإستقلال وإقامة دولته المستقلة بعاصمتها القدس الشريفة. فلماذا تضيعون الوقت هباء بهذه الطرق الملتوية؟. فعليكم أن تدرسوا التاريخ جيدا فما من قوة جاءت إلى هذه الأرض إلا وإندحرت أمام إصرار الشعب الفلسطيني للتصدي لكافة القوى الظلامية التي تأتي بثياب الحملان وما هي إلا ذئاب خاطفة.