الخميس: 28/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

الوقاحة المزدوجة

نشر بتاريخ: 09/12/2018 ( آخر تحديث: 09/12/2018 الساعة: 16:30 )

الكاتب: د.مصطفى البرغوثي

لم تكتف الأجهزة الاستخباراتية الإسرائيلية بإرسال جواسيسها إلى قطاع غزة، بهدف تركيب وصيانة أجهزة تصنت وتجسس على أبناء شعبنا هناك، وهم ينتحلون هويات مزورة بأسماء مواطنين من غزة، بل إنحدرت إلى الحضيض من خلال إستخدام أنبل مهنة إنسانية، وهي مهنة الطب، كغطاء من خلال الإدعاء بأن جواسيسها أطباء وممرضون موجودون في غزة لخدمة المرضى.
هناك توافق عالمي، وحضاري، على تحييد مهنة الطب عن الإستخدام لأغراض سياسية، وخاصة عن إستخدامها لأغراض تجسيسية أوإستخباراتية حقيرة.
وعندما يؤدي الأطباء في كل العالم قسم أبوقراط فأنهم يتعهدون أولا بعدم إيذاء البشر من مرضاهم، وثانيا بأنهم سيقدمون علمهم ومهنتهم الإنسانية لكل من يحتاجها بغض النظرعن جنسه، أو دينه، أو قوميته، أو معتقداته، أو وظيفته.
ولم تكن صدفة أن يطلق على الأطباء والممرضات لقب ملائكة الرحمة، لأن المُتوقع منهم الرحمة غير المشروطة، والإبتعاد عن إلحاق الأذى.
وليست صدفة أن الناس يضعون ثقتهم في الأطباء والممرضين لأنهم يتوقعون منهم، بغض النظر عن بعض الحالات الشاذة، أرفع أشكال الرعاية والمسؤولية في التخفيف من آلامهم وتقديم العلاج لهم.
وعندما يلجأ رجال الإستخبارات الإسرائيلية إلى إستغلال مهنة الطب، وسمعة الأطباء، للتغطية على جرائمهم فأنهم يرتكبون جريمة مزدوجة، بل ويمارسون وقاحة مزدوجة يجب أن تكون مدانة ومرفوضة في كل المحافل، وعلى كل المستويات.
وهذه بالمناسبة، ليست الجريمة الأولى التي ترتكبها الأجهزة الأمنية الإسرائيلية في هذا المجال، وهناك عشرات الحالات الموثقة، التي حاول فيها رجال المخابرات الإسرائيلية استغلال معاناة آباء وأمهات من قطاع غزة، كانوا يعانون من أمراض مستعصية، أو يرافقون أطفالهم الذين يعانون من السرطانأوأمراض فتاكة أخرى، لإجبارهم على العمالة للأجهزة الإستخبارتية، ووضعهم أمام خيار إجرامي، إما بفقدان حياة فلذات أكبادهم، أو العمالة وخيانة وطنهم.
وصف الكاتب الإسرائيلي ران غولدشتيان في مقال له بصحيفة هارتس ما قامت به الأجهزة الإسرائيلية ، بأنه " استغلال ساخر للطب لأغراض عسكرية" وأنا أقول ، أنه ليس فقط إستغلال ساخر، بل إستغلال حقير وقح لأكثر المهن الإنسانية نبلا وإحتراما.
والسؤال المهم هنا، موجه للسيدة نيكي هيلي مندوبة الإدارة الأمريكية في الأمم المتحدة، التي تنطحت لتمرير مشروع في الجمعية العامة للامم المتحدة، لإدانة حق الشعب الفلسطيني في المقاومة والدفاع عن النفس، وفشلت فشلا ماحقا،فهل ستقوم هي و إدارتها بإدانة الفعل الإسرائيلي الذي خرق كل القواعد الإنسانية، وكل إحترام للعمل الإنساني ومهنة الطب؟.
وهل ستقوم حكومات بعض الدول التي تتبارى في ملاحقة المنظمات الإنسانية الفلسطينية لمحاسبتها على أي موقف مقاطع للاحتلال، بإدانة ما أقدمت عليه أجهزة الإستخبارات والحكومة الإسرائيلية من إساءة لمهنة الطب الإنسانية؟
على كل حال فإن إنحدار الأجهزة الإسرائيلية إلى هذا المستوى الدنيء لا يمثل برأيي علامة قوة، بل هو مظهر ضعف وإفلاس، في مواجهة اصرار الشعب الفلسطيني على المقاومة والنضال من أجل حقه في الحرية، والكرامة، والمعاملة الإنسانية.