نشر بتاريخ: 10/12/2018 ( آخر تحديث: 10/12/2018 الساعة: 11:02 )
الكاتب: عصام بكر
الفعاليات والانشطة التي نظمت خلال الايام القليلة الماضية على هامش احياء اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني في التاسع والعشرين من نوفمبر الماضي في الضفة الغربية وقطاع غزة والشتات، بما فيها الاعتصامات والوقفات امام ممثلية البرازيل، وممثلية التشيك، والامم المتحدة في يوم التضامن اضافة لمؤتمر الجاليات في روما ارتباطا بحق العودة، وتوحيد الجاليات في اوروبا، وفعاليات عديدة اخرى من بينها في اليونان وموسكو وبروكسل اضافة لعشرات المدن والعواصم في العالم كانت بمجموعها اشبه بتظاهرة عالمية نظمت على امتداد قارات العالم شكلت حالة ينبغي النظر اليها وفحص امكانية العمل من خلالها في اتجاهات عمل جديدة ومختلفة وباعتبارها مرتكزا هاما للانطلاق للفضاء الرحب للتأسيس لتحالفات جديدة، وبناء اخرى وليس كونها احتفالات ليوم واحد، وتعود وتتكرر في ذات اليوم العام المقبل، علينا الاستفادة من الظرف الذي تخلقه هذه الفعاليات لحشد المزيد من التأييد والتضامن الدولي مع النضال العادل والمشروع الذي يخوضه شعبنا للوصول لحقوقه الوطنية المكفولة بالقانون الدولي، وقرارات الشرعية الدولية بما فيها حقه في تقرير مصيره واستقلاله الوطني.
هذه الفعاليات العالمية تأتي في ظل اشتداد الازمة والهجمة التي تشنها الولايات المتحدة حليفة الاحتلال لتجريد الشعب الفلسطيني من احدى اهم الاسلحة وهي اضعاف حالة التضامن الدولي بل وخلق تحالفات دولية معادية في جوهرها لحقوق شعبنا للاستفراد به وعزله، وفرض الحل الذي يتلاءم مع رؤية ترمب – نتينياهو يتم بموجبه محاصرة البعد الدولي ضمن توجه بالغ الخطورة يؤدي لافشال المنحى القانوني للمحكمة الجنائية الدولية، ونزع امكانية وجود ارادة دولية متفق عليها لايجاد تسوية عادلة تفضي لتحقيق الحقوق الوطنية امام الحالة الاقليمية المتصدعة، ومحاولات جعل هذه القضية "الفلسطينية" هي احدى القضايا على جدول اعمال الاسرة الدولية، وليس جوهرها او اهمها، وبالعودة للبعد القانوني تستثمر دولة الاحتلال بقوة في مسألة محاولة سن قوانين في دول غربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة لتجريم المقاطعة والحركات المؤيدة لفلسطين واتهامها بمعاداة السامية ودعم الارهاب، وفي ذات الوقت تجري على قدم وساق تحركات اسرائيلية لاستباق اية نجاحات او انجازات على مستوى برلمانات العالم كما جرى التصويت مؤخرا في برلمان ايرلندا لشن هجوم واسع خشية اتساع هذه المبادرات، وامتدادها لتشمل دول اخرى، وتعمل على التأثير على برلمانات عديدة من خلال اللوبي والاوساط المؤيدة لها لتجريم حركة المقاطعة، والعمل على محاصرتها وبالرغم من ذلك كله نشهد تناميا واتساعا في تأييد ومناصرة حقوق شعبنا واهمية رفع الظلم عنه.
وليس اقل اهمية من هذه التحركات ما يجري على المستوى العربي لاحداث اختراقات وما تشكله من خطورة واهمية ما يجعلها ليست بمعزل عن مجريات الاحداث على المستوى الدولي فالتطبيع العربي، والمشاركة في انشطة رياضية وثقافية ولقاءات المسؤولين الرسميين، وفتح عواصم بعض الدول ابوابها لاستقبال نتنيانو، واركان حكومته والتعاون الجاري في مجالات مختلفة منها الطب، والزراعة، وعلوم اخرى، وتضخيم وتسليط الضوء عليها ضمن بروبغاندا احتلالية لايهام العالم ان هناك علاقات طبيعية تتم مع العرب، وحرف الانظار عن الحقيقة المتمثلة بالتوسع الاستيطاني، وان الامور تسير بشكل سلس ضمن تنامي العلاقات مع العالم العربي وان المشكلة تكمن في الفلسطينين وهم على حد زعم ما يروج له يرفضون السلام والعودة للمفاوضات، وليس ادل على هذه الهجمة المنظمة من تصريح رئيس وزراء الاحتلال نفسه نتيناهو علنا حين تحدث بصراحة "ان تحقيق السلام لم يعد رهنا بموافقة او مشاركة الفلسطينيين" في اشارة لتطور العلاقات مع بعض الانظمة العربية اضافة لمحاولة ربط ذلك بالتقدم على مستوى امريكا اللاتينية ايضا وغيرها كما يجري عن صفقة الاسلحة مع البرازيل، وتصريحات الرئيس المنتخب حول عزمه نقل سفارة بلاده للقدس المحتلة، وايضا تصريحات الرئيس التشيكي مؤخرا حول نقل السفارة ايضا واذا ما اضفنا ان ذلك يجري في ظل الدعم اللامحدود من ادارة ترمب، والتحالف المتين مستذكرين انه اول من بدأ هذا المسلسل في محاولة لاستبعاد القدس خارج اطار اية تسوية مستقبلية وهو ما استغل اسرائيليا على نحو هام لاجراء وفتح ابواب اتصالات مع دول عديدة لتشجيعها لتحذو حذو الولايات المتحدة .
ان هذه التطورات تستدعي تفعيل وتأطير ما يعرف "بالدبلوماسية الشعبية" وهو احد المصطلحات الهامة في العلوم السياسية التي استخدمت من اواسط القرن الماضي من قبل عديد من حركات التحرر في العالم، وحقق الكثير من النجاحات في ايصال رسالة الشعوب المقهورة وهو مكمل لجهد الدبلوماسية الرسمية وياتي لاسناد الموقف السياسي وهو في ذات الوقت شبه غائب على مستوى القضية الفلسطينية او يمكن تسجيل حضوره على نطاق محدود في احسن الاحوال، ونحن احوج ما نكون في ظل التحديات التي تواجهها هذه القضية، وامام الانتهاكات التي تمارسها دولة الاحتلال في الاراضي الفلسطينية بما فيها مناطق "ج" والقدس، والاغوار والعدوان المفتوح على قطاع غزة وحالة الحصار المتواصلة والوضع الانساني الذي ينذر بوقوع كارثة محققة في حال لم يتم معالجة جذور المسالة المتعلقة بالشق السياسي والحقوق الوطنية وليس فقط البحث عن حلول في اطار انساني، وتحسين شروط الحياة اليومية على اهمية ذلك، وان يصار الى ذلك كله في اطار توافق ورؤية وطنية موحدة، كل هذه الجهود في الاطار الوطني العام هي مجرد امثلة لمدى امتلاكنا عناصر للهجوم والعمل دوليا لو احسنا استخدام الادوات المفيدة بطريقة ناجعة واكثر فعالية يقود ويؤسس لتشكيل نواة عمل وفق صيغة مفاهمية واضحة للعمل خلال الفترة القريبة المقبلة وعلى المدى البعيد من اجل ليس فقط محاصرة التوسع، ومحاولات التغلغل الاسرائيلي في العالم، وانما للعمل على حصد نتائج وانجازات جديدة كلها يجب ان تصب في اعادة بناء جبهة عالمية لمواجهة سياسات الاحتلال وصفقة القرن، وسلسلة القوانين العنصرية، وابراز الطابع الحقيقي لجوهر حركة التحرر الوطني التي يخوضها الشعب الفلسطيني للوصول لاستقلاله وحريته ومبنية على على قواعد الشرعية الدولية والقانون الدولي .
فالدبلوماسية الفلسطينية تعمل على صعيد الحكومات والجهات الرسمية ضمن جهد وفي اطار الحفاظ على العلاقات الدولية والبروتوكولات، والاتفاقات المتعارف عليها وهي مقيدة اذا جاز التعبير في حدود ذلك، ومن هنا فان اهمية كبيرة تكمن لاطلاق حملات الدبلوماسية الشعبية على اوسع مدى وفي كافة المجالات وهناك من القضايا التي نستطيع تحقيق اهداف واضحة فيها سواء ملف الاستيطان الاستعماري، والقدس، والاسرى، واستهداف الاونروا او غيرها ما يمكننا من العمل بقوة لحشد التعاطف الدولي تجاهها فمثلا على مستوى الاتحاد الاوروبي من شان العمل بتركيز الجهد ان يساعد في الوصول لتهيأة المناخ للوصول للمزيد من الاعترافات خصوصا العمل والضغط من خلال القوى اليسارية والتقدمية المساندة تاريخيا لحقوق شعبنا، وايضا البرلمانات، واهمية الضغط عليها والعمل معها وتوسيع قاعدة التحالفات مع كل القوى والمؤسسات من شأنه ان يبلور اطارا امميا شعبيا اكثر وضوحا للعمل المستقبلي في تشكيل ما يشبه الدرع الذي يحصن حالة التضامن الدولي مع شعبنا وقضيته العادلة مع ان المهمة ليست سهلة ولكن هناك تقبل وتفهم عالمي عالي لمسألة انهاء الاحتلال، وتصحيح الظلم الواقع على الشعب الفلسطيني منذ اكثر من 100 عام وتوفير الحاضنة الدولية ياتي في غاية الاهمية مع المؤشرات على ذلك، ومنها على سبيل المثال وضع الاعتراف بدولة فلسطين على طاولة البرلمان في بريطانيا وغيرها من الدول الاوروبية الاخرى .
لسنا بصدد التقيم او في معرض مناقشة فعاليات يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني ومدى نجاح المناسبة؟ وكيف تم التفاعل معها؟ ودلالاتها على المستوى المحلي والاقليمي والدولي وهي كانت فرصة ربما لاعادة تذكير العالم بالواقع الذي يعيشه الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال واهمية انهاء الاحتلال لانهاء المعاناة التي تعيشها، ومن هنا لا بد من وضع خطة متكاملة للعمل عليها في اطار منظمة التحرير، ودوائرها المختصة لا سيما العلاقات الدولية والعربية،وزارة الخارجية،والاحزاب السياسية والحركات الشعبية، والمجتمعية والنشطاء والمجموعات الشبابية للعمل بصورة خلاقة مبدعة، فعالم اصبح اليوم ساحة فعل اساسي امام التقدم الهائل في ثورة تنكولوجيا المعلومات، ومواقع التواصل، والاستفادة منها لاطلاق اوسع حملات الدبلوماسية الشعببة ليصبح احدى الاليات المحددة للعمل عليها في مواجهة ماكنة اعلام الاحتلال ذات التاثير الواسع، وادوات الضغط على مستوى العالم وتزيف الحقائق وحرف الانظار لقضايا ثانوية فالمطلوب العمل وفق رؤية واضحة ليس نظام القطعة قطعة، والفردية وانما بمنهجية محددة مفصلة وواضحة ويراكم عليها ايضا وبمشاركة الكفاءات الفلسطينية والقدرات، وزجها في معركة تمتلك الحق والعدل ما يكفل نجاحها واحراز تقدم كبير فيها مثلا لماذا لا يتم اصطحاب احدى عائلات الشهداء والاسرى عائلة دوابشة، وابو خضير، او ابو حميد، او النجار في غزة او الشبل شادي فراح او عهد التميمي والقائمة طويلة وزاخرة بمئات الاسماء والقصص البطولية والانسانية وهي مجرد امثلة بسيطة لحالات كبيرة وهم سفراء بدون سفارة بمعنى الكلمة لايصال معاناة وواقع الشعب الفلسطيني؟ لماذا لا يتم دعوتهم واقرانهم لاستقبال ولقاء الرؤساء، والمسوؤلين الذين يحلو ضيوفاعلى فلسطين ؟؟ الا تكمن اهمية في تشكيل وفود شعبية من النشطاء واللجان الشعبية والهيئات العاملة من فترات طويلة ولديها الطاقة والامكانية والثقافة، والمخزون الكبير لتجوب دول العالم لعقد لقاءات مع احزاب وبرلمانات وحركات اجتماعية ونقابية ونسوية في دول العالم المختلفة ؟ ثم العمل على بلورة واستحداث دائرة في وزارة الخارجية او ضمن هيئات منظمة التحرير باسم "دائرة الدبلوماسية الشعبية" وتوفير الامكانات لها للعمل بقوة وهي احدى الخطوات الهامة لاعادة بناء حركة التضامن الدولي على اسس واضحة تضمن العمل المنظم المبني على ارادة واضحة والقادر على احداث اختراقات ونجاحات تليق بعدالة القضية المشروعة والتضحيات الجسام التي قدمت على مر اكثر من قرن من النضال بانتظار النصر والحرية .