نشر بتاريخ: 12/12/2018 ( آخر تحديث: 12/12/2018 الساعة: 11:31 )
الكاتب: عوني المشني
التكفير والتخوين وجهان لعملة واحدة، التكفير وهو الوجه الاول يعني احتكار الإرادة الإلهية في الحركة او الجماعة او الحزب، هم يمثلون إرادة الله عز وحل، وهم الناطقين باسمه، وهم اليد التنفيذية له، وهم صوته على الارض، هم انعكاس لإرادته، الوجه الاخر للعملة هو التخوين والذي هو اختصار مصلحة الوطن في الحزب او الحركة، هم دون غيرهم ممثليه وحماته وهم المعبرون عنه وهم انعكاس لصورته وهم بداية تاريخه ومستقبله.
المختلف بين التخوين والتكفير مصالح الفريقين لا اكثر، امتيازاتهم لا اكثر، لكن الأساليب والأدوات والفلسفة واحدة، يغتصبون إرادة "الله" عز وجل لأجل مصادرة إرادة البشر، يغتصبون أرادة الوطن من اجل مصادرة إرادة البشر، الفرق : هذا يستخدم قدسية الآلهة وذاك قدسية الوطن بهدف مصادرة إرادة البشر، اما أدواتهم وأساليبهم فما أكثرها تشابها وتطابقا، هي السجون وتكميم الأفواه والتدليس والغوغائية والكذب والتضليل....... وكل ما من شأنه تكريس وجودهم دون غيرهم وعلى حساب غيرهم.
واذا كان التغيير هو "عملية تحليل الماضي لاستنباط التصرفات المطلوبة للمستقبل" كما تشير روزابث موسى كانتر، فان قوى التكفير والتخوين تحيط الماضي بسياج حديدي من القداسة لمنع نشبه ونقده بهدف عدم فتح ثغرات في جدار الحاضر مرورا للمستقبل، فالتاريخ احيانا يرتبط بالدِّين عن اصحاب مناهج التكفير والبحث فيه يتحول الى تجديف في الدين ذاته، كذلك فان تاريخ بعض الحركات الوطنية يصبح هو تاريخ تكون الوطن يُمنع المساس به وهكذا يتحول الماضي الى مقدس يمنع المساس به وذلك لقطع الطريق على قوى التغيير. والاذعان للماضي بقداسته يصبح إذعان للمستقبل بأفقه.
ويخطئ رواد التغيير في تحديد نقطة البداية، البداية ليس في نقد الواقع كما يعتقد هؤلاء، البداية في احداث الفصل بين القيمة الاولى والقيم التي تليها، احداث فصل بين الله عز جلاله وبين من يدعون انهم يمثلون الله على الارض، بين الوطن وبين من يحتكرون مصلحة الوطن، هنا جوهر الموضوع، الله في عليائه لم يوكل احدا على الارض ان يأخذ قداسته ويمثله ويحكم باسمه، والوطن كقيمة عليا لم يعطِ فرمانا لأحد ان يمثل مصلحته وينطق باسمه ويتجسد بصورته، لا احد يمتلك قداسة القيم العليا تلك "الله والوطن"، لا احد يمثلهما، لا احد يمتلك قداستهما، لا احد يجسدهما كقيمة او سلوك، لا احد يمتلك حق احتكارها كملكية خاصة.
المسألة الاخرى امام قوى التغيير هي الآليات، فجل ما يسعى للتغيير المقترن بالاستقرار يسير بالاتجاه الخطأ، لانه وبالمفهوم النظري والعملي أشبه بالمستحيل خاصة عندما يتعلق الامر بقوى تحتكر قداسة الدين والوطن، وربما تعزز تلك القوى هذا المفهوم ليتحول الاستقرار الى هدف، هذا الاستقرار الذي يضمن بقاءها، فمفاهيم الفتنة، والسلم الأهلي، وأمن الوطن..... الخ رغم أهميتها تصبح قيودا تكبل رواد التغيير، ان التغيير يحدث حالة من عدم الاستقرار يتحدد حجمها وعمقها بمقدار رفض القوى القديمة للتغيير، لهذا فعدم الاستقرار ليس نتاج التغيير ذاته بل نتاج مقاومة القوى السائدة للتغيير، وعندما لا تحدث مقاومة يحدث التغيير دون مس بالاستقرار كما في الدول الديمقراطية. لذلك فان "حرية" ان قوى التغيير تهدد امن وسلامة البلاد خاطئة من حيث المبدأ لان تمسك القوى السائدة بعدم التغيير هو ما يهدد امن وسلامة البلاد. وهذه الحرية منبعها ان القوى السائدة تعتقد او تحاول ان تبيع للجمهور ان سيادتها ابدية ونابعة من إرادة الهية او مصلحة وطنية هي من يمثلها في كلا الحالتين.
جانب اخر لا يقل اهمية وهو ضرورة نزع الشرعية المقدسة عن القوى السائدة وإعادتها الى حيث يجب، شرعية الدين في النص وليس فيمن يدعي انه يجسد النص وشرعية الوطن في ذاته وليس في من يدعي ان تجسيد للوطنية، القيمة العقائدية في نصوص العقيدة ولا احد يجسدها والقيمة الوطنية في جوهر فكرة الوطنية وليس فيمن يعتقد انه تجسيد حسي لها، الدين إيمان والوطن انتماء وفقط وقد تحسد الإيمان في نصوص والوطنية في قيم وما عدا ذلك ليس مقدسا وحتى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم استمد قداسته من نص قرآني مقدس ولم يستمدها من فرض ذاته على الاخرين.
قوى التغيير امامها تحدٍ قداسة الاخرين قبل ان يكون امامها الاخرين أنفسهم، تلك القداسة الوهمية هي شكل من أشكال استبداد الحكم، مهمتها اعادة تلك القداسة الى النص، في الدين الى النص المقدس وفِي الوطن الى القانون والنظام الديمقراطي والذي يمثل مصلحة الوطن، بدون ذلك تبقى المهمة متعثرة والى شعار اخر.