الأربعاء: 27/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

هذا الحراك الثقافي الفلسطيني يثلج الصدور

نشر بتاريخ: 12/12/2018 ( آخر تحديث: 12/12/2018 الساعة: 13:40 )

الكاتب: د. حسن عبد الله

العلاقة بين الثقافي والسياسي في بلادنا شائكة ومعقدة، فمن جهة يتحد الجانبان في المحطات الساخنة، ويتنافرا في محطات أخرى، لا سيما حينما يحاولُ السياسي استيعاب الثقافي والإبداعي والهبوط بسقفه أو تعميق تبعيته، في حين يجتهد الثقافي ليحافظ على دوره ورسالته، ويتحرر من قوالب السياسي المحكوم بتكتيكات وحسابات اللحظة، فيما الثقافي يعيش اللحظة ويتفاعل معها، لكنه يبذل قصارى جهده ليقرأ ويستشف مسبقاً ما بعدها.
وأمام معادلة التجاذب والتحالف ونقيضها التباعد والتنافر، يظل الثقافي حريصاً على تعزيز القواسم المشتركة في الزمان والمكان بين الجانبين، وتقليص وتقريب وجهات النظر في مرحلة ما زالت تندرج تحت مسمى وتصنيف مرحلة التحرر الوطني كون الاستقلال التام لم يُنجز.
السياسي كعنوان يعاني أزمات طاحنة بسبب اتفاقات وقعت ولم تلتزم بها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، حيث تراوح الأمور في المكان ذاته، بل وتتراجع في ظل صعوبة الخيارات المطروحة، أما الثقافي فيعيش ارتدادات أزمة السياسي، لكنه يستدعي طاقاته وقدراته لتجاوزها ومواصلة السير في مشروعه التعبوي والتثقيفي الذي هو في بعده الآخر مشروع الارتقاء بالذائقة والحس. إذ لم يعد مقياس عمق الانتماء ذلك الصوت الثقافي الخشن المرتفع النبرة، وإنما صار يتجلى عمق الانتماء في مصداقية مضمون الرسالة التي يتم التعبير عنها بأساليب حداثية تتغذى ليس من المعارف والمفاهيم الوطنية فحسب، بل وإلى جانب هذا خبرات أممية على مستوى الثقافة والسياسة والفكر والفلسفة.
من هنا نفهم التجديد والحراك الدائم في مضامين وأشكال أعمالنا الشعرية والقصصية والروائية والمسرحية والسينمائية والتشكيلية، وكذلك في مجال الرقص التعبيري الذي تبرعُ فيه فرق فلسطينية، أصبحت مطلوبة في المهرجانات والفعاليات العالمية، لا لأنها تعبر عن قضية عادلة فحسب، فهذا أمر بدهي، وإنما أيضاً لأنها تأتي للمشاهد بالمتعة والدهشة والإبهار، وتقدم له جديداً في الحركة والكلمة والرؤية في الصورة الكلية للعمل الفني.
لذلك فإن المتابع للحركة الثقافية والإبداعية في بلادنا، لا بد وأن يتنبه لجملة من القضايا والتطورات المتعلقة بالفعل الثقافي والإبداعي ومنها ما يمكن تلخيصه على سبيل المثال لا الحصر في النقاط التالية:
أولاً – انتاج غزير على صعيد الشعر والرواية والقصة والنص المفتوح لكتاب معروفين وكتاب شبان على حدٍ سواء، في دلالة على أن تجربتين من عمرين مختلفين ترفدان بشكل مشترك المشهد الثقافي.
ثانياً – حجم الندوات وإطلاق الكتاب مظهر لافت ومشجع، ويمكن الإشارة إلى بروز دور نشط لاتحاد الكتاب والأدباء في قطاع غزة، خصوصاً وأننا قد شهدنا في الشهور الأخيرة، سلسلة من الأنشطة النوعية في هذا السياق.
ثالثاً – الدور المميز الذي تضطلع به وزارة الثقافة، وعلى وجه الخصوص في مجال المشاركة في معارض الكتب والمناسبات الثقافية على الصعيدين العربي والعالمي، وبالرغم من الصعوبات الاقتصادية التي تواجه الوزارة، فإنها مستمرة في تأكيد الحضور الثقافي والإبداعي الفلسطيني بكل تجلياته عربياً وعالمياً.
رابعاً – لم تستعد حتى اللحظة مؤسسات التعليم العالي الفلسطينينة، ونقصد الجامعات والمعاهد الدور الثقافي والإبداعي الذي اضطلعت به في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، وكأنه أصبح هناك قطع في الرسالة الثقافية لهذه المؤسسات، لتكتفي بالرسالة الأكاديمية، زد على ذلك أن الدور الثقافي لمجالس الطلبة مغيّب على خلاف ما كانت تقوم به هذه المجالس ثقافياً وإبداعياً قبل ثلاثة عقود من الزمن.
خامساً – فيما نشهد نشاطاً في حركة الإصدارات، فإن النقد لا يحرك ساكناً، وما زالت الأقلام النقدية المنهجية محدودة، أما الكفاءات الأكاديمية في الجامعات من أساتذة اللغة العربية والنقد، فهي مطالبة بسد ثغرة النقص في النقد وعدم الاكتفاء بمراقبة الوضع عن بعد.
وإذا كنا نتحدث عن تراجع لدور المؤسسات التعليمية على مستوى الإسهام الثقافي، فذلك لا يعني أن المشهد العام موشح بالسواد، لأن هناك محاولات بين الفترة والأخرى لعقد مؤتمرات واستقبال أوراق عمل في هذه الجامعة أو تلك، إلا أن ما يحكم النشاطات المذكورة حتى الآن الموسمية والتشتت، والهبات الحماسية المتقطعة البعيدة عن منظومة برامج ثقافية متكاملة.