الأحد: 24/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

المطلوب فلسطينيا منهج مختلف

نشر بتاريخ: 20/12/2018 ( آخر تحديث: 20/12/2018 الساعة: 11:42 )

الكاتب: عوني المشني

لم يعد الخيار الثالث فلسطينيا حديث نخب ثقافية تُمارس الترف او التحشيش الفكري، اصبح حديث الشارع الفلسطيني بطول هذا الشارع وعرضه وفِي كل أماكن تواجد هذا الشعب الفلسطيني، لم يعد همسا او أفكار تتداول على طريقة العادة السرية، اصبح وجهة نظر وقضية رأي عام وبالفم الملآن. السؤال الذي يسأله الفلسطينيون الان ليس اذا ما كان ضرورة لخيار ثالث أم لا، إنما السؤال وعلى كل لسان كيف سيأتي هذا الخيار وما هي مواصفاته؟؟؟
هنا - وامام هذا السؤال تتعدد الاجابات: البعض يراه انشقاقا عن ما هو موجود !!! اخرون يرونه تجمع للمستقلين، وهناك من يراه اصلاح لما هو قائم، اما كيف سيأتي فان الاغلبية تنتظر من سيقرع الجرس ويبادر رغم ان هناك أقلية تتلمس الطريق بهدوء في ارهاصات على طريق إيجاده.
لن نتوقف عند مختلف الاّراء والمواقف لنقاش المسألة، سنتجاوز ذلك لطرح مواقف نعتقد انها أساسية لبلورة رؤية وطنية متوازنة.
من يعتقد ان الخيار الثالث هو حزب او حركة سياسية فهو يضيف اضافة كمية للكم الموجود، والمشكلة لم تكن في عدد الأحزاب والحركات السياسية ولو في الوانها الأيدلوجية، لدينا كم كبير يزيد عن الحاجة، لدينا من الأيدلوجيات من الماركسية بشتى أصنافها ومن القومية بتعدد مفاهيمها ومن الدينية بكل الاجتهادات والفتاوى، ولدينا البرغماتية والدوغماتية والغوغائية، هذا يعني اننا لسنا بحاجة لجديد يحمل جينات القديم واساليب عمله ومنهجه. 
وثانيا لا نحتاج لإضافة تناقض جديد للمجتمع الفلسطيني اضافة للتناقضات الموجودة، في فلسطين ما يكفي من التشرذم والتناحر والتناقض والاخلاق والاختلاف، لدينا تناقضات تنتمي للجغرافيا واُخرى للتوزيع على اساس حضري وتناقضات لها علاقة بالبعد الطبقي واُخرى بالمستوى الثقافي وتناقضات قبلية واُخرى عشائرية .........الخ ولدينا تناقضات سياسية واُخرى وطنية وبعضها ايدلوجي، وهي في الحقيقة ليست تناقضات وانما تنوع ولكن في ظل العقول المغلقة وانعدام الوعي المجتمعي وكون هرم الانتماء مقلوب فان هذا التنوع الرائع يتحول الى تناقض. اي اضافة لهذا تشكل تراجعا وليس تقدما، تشكل إحباطا وليس إشعال امل، تشكل خيبة وليس طموحا لشعبنا.
وليس آخراً نحن كشعب فلسطيني لا نحتاج الى جديد لتسجيل مواقف على الاخرين ايا كانوا، او لتخطيئ القديم، او لتجريم الآخرين، لسنا امام محاكمة للتاريخ الفلسطيني بأساليب عمله ونخبة وقواه السياسية، ربما قراءة التجربة الفلسطينية قراءة معمقة لاستخلاص العبر ولرسم معالم الكفاح المستقبلي ضرورة، ولكنها قراءة بهدف البناء وليس للهدم، بهدف التطوير وليس التدمير، بهدف النقد الموضوعي وليس المنطق التبريري، انها قراءة ضرورية لفهم الواقع والانطلاق منه لتغييره.
اذن !!! ما الذي بحاجة اليه شعبنا ؟؟؟
شعبنا الفلسطيني بحاجة لمنهج مختلف عما هو سائد، منهج تفكير يستوعب المقدمات ويعالج الموضوع ويتوخى نتائج، منهج يأخذ القضية الفلسطينية في سياقها التاريخي مستشرفا أفق المستقبل عبر قراءة واعية للواقع، منهج يأخذ العبر من دروس الماضي ويعالج المتغيرات وفق الأهداف المتوخاة، منهج يستطيع ان يوظف كل المقدرات وامكانيات القوة في سياق كفاحي تحرري ويستثمر التضحيات بطريقة صحيحة، منهج ديمقراطي يحترم الاخر المختلف ويتعاطى مع الاختلافات كأساس للتكامل وليس للتناقض، منهج ليس تفريطي ولا هو ولا هو جامد، منهج يستطيع ان يعالج التفاصيل في سياق الاستراتيجية الواضحة ولخدمتها وبما يساهم في تحقيقها.
وثانيا شعبنا بحاجة لبنية سياسية ديمقراطية، بنية تكرس الهوية الجمعية لشعبنا وتوحد طاقاته وتحافظ على الكينونة الوطنية، بنية تضع الكل في مكانه وفق امكانياته وبما يقدم ووفق معيار دقيق وواضح لهذا، بنية مرنة تستوعب الاختلاف وتحافظ على الوحدة وتعزز الكفاح.. 
الشعب الفلسطيني بحاجة الى بنية لها ابعدادها الثقافية الاجتماعية اضافة للبعد السياسي تتعاطى مع الانسان كقيمة عليا وتحترم منظومة القيم الانسانية وتعزز قيم الانتماء الوطني المنفتح على البعد الانساني.
الشعب الفلسطيني بحاجة لاستراتيجية تنطلق من رؤية ابعاد الصراع التاريخية الوطنية، استراتيجية بمرتبة بادوات فاعلة قادرة على تحقيق تلك الاستراتيجية، رؤية توظف كل الطاقات الفلسطينية وفِي سياق تكاملي يستند الى معايير واضحة، هذا يتأتى ببنية غير طاردة للطاقات وليست تقصائية ولا تستخدم الموروث الوطني والديني للاستئثار والاحتكار.
منهج يتعاطى مع الحرية كمفهوم شامل، حرية اجتماعية سياسية ثقافية، وهذا ينعكس على البنية السياسية والنظام القانوني والتعاطي مع مفهوم الاختلاف. والحريّة هي مفهوم اخلاقي يُحد تعبيراته في البنى الاجتماعية والسياسية والمنظومة القانونية، ويأخذ في الاعتبار حقوق الفئات الاجتماعية المختلفة.
باختصار ان المطلوب منهجية قائمة على رؤية وبأدوات مختلفة نوعيا، متطورة، تستند لفهم دقيق للصراع، وببنية مرنة وافق انساني شامل، بدون هذا فان التغيير لا يعدو كونه تغيير شخوص لا اكثر ولا يفضي لطموح شعبنا ولن يحقق احلامه.
هل هذا ممكن ؟؟؟؟
بالتأكيد هو ممكن، وممكن بقدر حاجة شعبنا اليه، وكلنا يلمس هذه الحاجة التي تزداد مع كل خيبة الحاحا، وممكن بقدر ما في واقعنا من معضلات فشلت القوى القائمة على التعاطي معها ، وممكن لأننا شعب خلاق مبدع ولن نتحول الى اسرى لصنمية مقيته.