الأحد: 24/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

السلام الإقتصادي وصفقة القرن

نشر بتاريخ: 20/12/2018 ( آخر تحديث: 20/12/2018 الساعة: 18:49 )

الكاتب: سامر سلامه

أعلن مستشار الرئيس الأمريكي وصهره جاريد كوشنير أن صفقة القرن ستعلن في غضون الأشهر الثلاثة القادمة بالرغم من أن مسؤولي الإدارة الأمريكية قد أعلنوا في مرات سابقة أن الصفقة ستعلن قريبا. ومنذ أكثر من عام وحتى الآن تم الإعلان عدة مرات عن نية الإدارة الأمريكية إطلاق الصفقة إلا أنهم يجدون ما يكفي من المبررات لتأجيلها. وبعيدا عن جدية الإدارة الأمريكية أو بمعنى آخر قدرة الإدارة الأمريكية على الإعلان عن تلك الصفقة، التي يرفضها كافة الأطراف بما فيها الطرف الإسرائيلي الذي لا يزال يتستر وراء الرفض الفلسطيني في محاولة خبيثة لعدم مواجهة الرئيس ترامب الذي يقدم الدعم اللا محدود لإسرائيل. فإنه يبدو أن الصفقة تأخذ طابعا أو بعدا إقتصاديا أكبر بكثير من البعد السياسي.
فالمتتبع لتصريحات المسؤولين الأمريكيين وخاصة عرابي صفقة القرن يستطيع أن يستنتج وبشكل واضح أن الصفقة تركز على السلام الإقتصادي بشكل كبير جدا وإن لم يكن بشكل كامل. وإن المؤشر الأكبر على هذا البعد هو الرئيس الأمريكي نفسه ذو الخبرة الطويلة في عالم المال والأعمال التي إنعكست بشكل واضح وكبير على معظم سياساته الخارجية. فالرئيس الأمريكي ترامب قد بدأ الحرب الإقتصادية على الجميع وفي كل الإتجاهات بدأ في جارته الأقرب كندا مرورا بحلفائه الأوروبيين وصولا إلى حلفائه الخليجيين ناشرا حربه الاقتصادية الهوجاء لتصل إلى الصين وروسيا واليابان. كل ذلك مؤشر واضح على أن عقلية الرئيس الأمريكي منحصرة في الإقتصاد وجمع الأموال بصفته رجل أعمال ناجح متناسيا نفسه كرئيس لأكبر دولة في العالم. كل ذلك أثر بشكل كامل على عقول أعضاء إدارته التي تلقفها داعمو إسرائيل لتبني هذه السياسات الإقتصادية في صياغة ما يسمى بصفقة القرن متماهين مع تطلعات نتنياهو وحكومته المتطرفة.
وتأكيداً على ما سبق فإننا إذا تابعنا تصريحات وتغريدات وكتابات مساعد الرئيس الأمريكي والممثل الخاص للمفاوضات الدولية جيسون دي جرينبلات فإننا نلاحظ بشكل كامل بأن عراب الصفقة لا يتحدث عن حلول سياسية وإنما على إنعاش حياة الفلسطينيين وتمكينهم إقتصاديا وفتح أسواق إسرائيل أمامهم. ولا تتوقف وعودات جرينبلات على ذلك وإنما يتعداها بتمكين الشباب الفلسطيني من إستغلال إمكاناتهم الكامنه وتطويرها ونقلها إلى العالمية في محاولة لإغراء الشباب للإنخراط في مختطاتهم الإقتصادية المشبوهة على حساب الحقوق السياسية للشعب الفلسطيني. كما أن الرئيس الأمريكي نفسه وفي إطار وصفه لأهمية الصفقة فإنه يستعرض المنافع الإقتصادية للصفقة في محاولة لإغراء الفلسطينيين للإنخراط فيها. وما سياسة المقاطعة التي أعلنها الرئيس ترامب على السلطة الفلسطينية وقطع كافة أشكال المساعدات المالية عن السلطة ومؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني ما هي إلا سياسة إقتصادية عقيمة تنطلق من رؤيا إقتصادية محدودة إعتقادا منهم أن القيادة الفلسطينية والشعب الفلسطيني سيأتون زاحفين للتعاطي مع صفقتهم المشبوهة. 
وقد كان آخيرا وليس آخرا لتصريحات السفير الأمريكي لدى إسرائيل ديفيد فريدمان عبر مقالته الأخيرة التي نشرت أيضا في وسائل الإعلام الفلسطينية والتي خاطب من خلالها فلسطينيو الداخل الفلسطيني حيث دعاهم إلى الإندماج بشكل أكبر في الأعمال الإقتصادية وشجعهم على الإنفتاح الأكبر على الدول العربية ما هو إلا تأكيد آخر على محاولة جميع أطراف وعرابي صفقة القرن للترويج للسلام الإقتصادي وكأنهم يقولون لنا مسبقا أن الإقتصاد هو الحل الوحيد المطروح حاليا ضمن صفقة القرن.
ولا نريد أن نذهب بعيدا فإن ما يخطط لغزة وما يعرض من إمتيازات بفك الحصار وإدخال الأموال بالحقائب وإقامة ميناء عائم وسط البحر ومطار في العريش أو ايلات ما هي إلا مؤشرات على كيفية عمل العقلية الأمريكية الحالية وإنحصارها فقط في البعد الإقتصادي.
إنني أعتقد أنه لا داعي لإنتظار إعلان صفقة القرن فإن المكتوب يقرأ من عنوانه كما يقال بالعامية العربية. فإنه يبدو أن الإدارة الأمريكية قد تماهت في خططها مع حكومة الإحتلال التي تريد للشعب الفلسطيني أن يعيش في معازل وكنتونات محاصرة ولكن في ظل إنتعاش إقتصادي كبير وهذا الإنتعاش لن يكون للفلسطينيين من سلطة أو سيطرة عليه بل سيعتمد على الدعم اللامحدود من الخارج أو من إسرائيل حتى إذا فكر الفلسطينيون بتغيير رأيهم سيجدون أنفسهم بين ليلة وضحاها فقراء لا يملكون شيئا.
ومن هنا فإنه لا بد من العمل الجاد على بناء إقتصاد فلسطيني مقاوم وقادر على تعزيز صمود أبناء الشعب الفلسطيني في غزة وفي الضفة لكي لا يبقى الشعب الفلسطيني تحت رحمة المساعدات الخارجية أو رحمة ما يقدمه الإحتلال من تسهيلات كما يدعي دائما.