نشر بتاريخ: 23/12/2018 ( آخر تحديث: 23/12/2018 الساعة: 16:28 )
الكاتب: نضال منصور
عمان- الاردن
أحسنت حكومة الدكتور عمر الرزاز حين استجابت لإرادة الشارع فسحبت مشروع القانون المعدل للجرائم الالكترونية من مجلس النواب لتعديله، لكنها فشلت في مواجهة الضغوط والاختلافات الداخلية، فأعادته إلى البرلمان مرة أخرى بسرعة عجيبة بعد إجراء تعديلات إيجابية طفيفة، غير انها ليست كافية، ولا تشكل حماية لحرية التعبير والرأي.
كنت من المطالبين بشدة خلال لقاء الرئيس الرزاز مع المجتمع المدني بسحب المشروع، وقلت له أن هذا القانون يسحب من رصيده السياسي والشعبي، وقد بات على رأس مطالب المحتجين على الدوار الرابع، ولا يجوز تجاهل الأمر.
سألت الرئيس الرزاز، وسألت من قبل وزراء آخرين في الحكومة الحالية والسابقة عن أسباب الاستعجال والضرورة لهذا القانون، ما دام لدينا قانون عقوبات يغطي 99 % من الجرائم التي تحتاجها السلطة السياسية لملاحقة من تعتبرهم مخالفين للقانون في العالم الافتراضي؟
بصراحة لم أجد إجابة مقنعة، وإنما زادت قناعتي بعد التعديلات التي أجرتها حكومة الرزاز أن المظلة التشريعية القائمة كافية وأكثر.
لا تفكر الحكومة والنواب وصانعو القرار في تحسين البيئة التشريعية، والتجاوب مع الالتزامات الدولية، ولا يتذكرون أنهم شكلوا من أشهر قليلة لجنة لمراجعة التشريعات ومواءمتها مع معاهدات واتفاقيات حقوق الإنسان التي تسمو على القوانين الوطنية.
أصبح مشروع القانون المعدل للجرائم الالكترونية بحوزة مجلس النواب، ويتوقع أن يثير جدلاً في قراءته الأولى تحت القبة، فهو لا يقل أهمية عند الناس عن قانون ضريبة الدخل.
قانون الجرائم الالكترونية يعد من قوانين الحريات العامة، يكفي أن تتخيل أنه يمس كل مستخدمي الانترنت، وكل مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي، فمن لديهم حساب على الفيسبوك يزيدون عن 5 مليون في الأردن، ومن يملك موبايل يزيد عددهم الكلي عن عدد سكان الأردن.
لا يجوز أن تمر تعديلات قانون الجرائم الالكترونية بسهولة في البرلمان، وعلى اللجنة المختصة أن تعقد جلسات استماع موسعة للخبراء والمهتمين والحقوقيين لبحث كافة التفاصيل وتأثيراتها وتداعياتها، فالأمر لم يعد يتوقف على أشكال التعبير العلنية، وإنما بعد إدخال كلمة “التطبيقات” في التعريف يمكن ملاحقتك على رسالة على “الواتس آب – WhatsApp”.
مجلس النواب يدرك أن عليه أن يستمع لصوت الناس، واستعادة الثقة وتحسين شعبيته مرهون بموقفه من هذا القانون، فالشارع يعتقد أن حريته بالكلام باتت مهددة.
يسجل للحكومة أنها فتحت المادة (11) من قانون الجرائم الالكترونية، وخفضت العقوبة إلى عامين، وبالتالي يتعذر على المدعين العامين توقيف الإعلاميين ومستخدمي السوشيال ميديا التزاماً بالمادة (114) من قانون أصول المحاكمات الجزائية التي تشترط أن تكون العقوبة 3 سنوات حتى يكون التوقيف جائزاً.
لكن الشيطان يكمن في تفاصيل المواد القانونية الأخرى، فإعادة تعريف خطاب الكراهية على نحو ما هو وارد في المادة (150) من قانون العقوبات أفضل مما سبق، غير أننا كنا نشكو من ذات النص سابقاً بأنه فضفاض وغير منضبط قانونياً.
الأكثر خطورة العقوبة الواردة على خطاب الكراهية في المادة (10) من القانون المعدل، فلقد حددتها بـ 3 أشهر كحد أدنى وتركت الحد الأقصى مفتوحاً، وهذا يعني العودة إلى المادة (26) من قانون العقوبات فتصبح العقوبة 3 سنوات، وحكماً يجيز للمدعي العام اللجوء للتوقيف، وهذا يعني أن الحكومة ألغت عقوبة التوقيف في المادة (11) وأبقتها في المادة (10)، ومثلما يقول المثل الشعبي “وكأنك يا بو زيد ما غزيت”.
ما زال مشروع القانون المعدل للجرائم الالكترونية بصورته التي أرسلت للبرلمان لا يوفر الضمانات لصيانة حرية التعبير والإعلام، ويتضمن مواد قانونية تحتاج إلى مراجعة وتعديل وضبط، وهذا يتطلب من الجميع الضغط على النواب حتى يأخذوا مواقف شجاعة بإجراء تعديلات جذرية تحمي حرية الناس.
الأيام القادمة تحت قبة البرلمان ستظهر من ينحاز لإرادة الشعب ويحمي ظهره من تغول القوانين وبطشها.