نشر بتاريخ: 29/12/2018 ( آخر تحديث: 29/12/2018 الساعة: 14:00 )
الكاتب: ناصر دمج
بات من المؤكد أن الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" قايض صرف النظر التركي عن متابعة ملف قتل الصحفي السعودي "جمال خاشقجي" فوق التراب التركي، مقابل منح تركيا حرية التصرف في شمال وشرق سوريا، والعمل بحرية تامة ضد الأكراد السوريون والعراقيون وداعش، وتوفير ظروف إنسانية تسمح لها ببدء إعادة اللاجئين السورين إلى ديارهم.
ويمكن القول: أمام هذه المعطيات بأن ترامب خطى خطوة كبيرة وجريئة في مضمار تمسكه بالأمير السعودي، الذي سيحكم الخناق حول رقبته بعد هذا الاتفاق، لأن الاحتفاظ بابن سلمان أفضل بمعايير الربح والخسارة من البقاء في سوريا، بالمقابل لم يفلت ترامب ملف إعادة إعمار سوريا من يده، وهو الذي سيشكل بوابة للهيمنة الأمريكية على سوريا الجديدة، على غرار ما أدت إليه نتائج مشروع إعمار أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية المعروف بمشروع مارشال.
الاتفاق التركي الأمريكي حول سوريا، لا يكرس فشل المشروع السعودي في سوريا فحسب، وهو الذي كان يتطلع لإطاحة الرئيس الأسد من مكانه بل إلى لعقة بالكامل وإدانته، واعتناق خطاب مغاير تماماً قوامه الموافقة على تحمل العبء الأكبر من ورشة إعمار سوريا، وتقبل التعامل مع الرئيس الأسد وتغيير مفردات الخطاب المعادي لإيران.
نتائج مدهشة بلا شك، في ضوئها وصفت مجلة (فورن بولسي - Foreign Policy ) الأمير "محمد بن سلمان" بالمتهور والزعيم الأكثر ميلاً لممارسة الحكم من خلال الفوضى العارمة، تلك السياسة التي تسببت بفشل حروبه الخارجية ومشاريع إصلاحه الداخلية، بدلالة فشله في سوريا، وعدم حصوله على أي نتيجة في اليمن سوى قتل المدنيين.
لهذا ادرك الرئيس "ترامب" بأنه لن يتمكن تفكيك الخناق من حول رقبة "محمد بن سلمان"، إلا من خلال انتهاجه لسياسة مغايرة للحالية، وبوابتها تكمن في وقف الحرب على اليمن، والمساهمة في إعادة بناء سوريا.
طريقة تفكير ولي العهد هي منبع مشاكله
لم يكن من فراغ أن تصف مجلة (فورن بوليس - Foreign Policy ) كما ذكرت، الأمير محمد بأنه الحاكم الأكثر ميلاً لممارسة الحكم من خلال الفوضى، وقبل ذلك وجهت له "نيكي هيلي" مندوبة الولايات المتحدة السابقة لدى الأمم المتحدة عبارات قاسية، وطالبته بالتخلي عن سلوك قطاع الطرق؛ وهو الذي استهل عهده الذي لم يبدأ رسمياً بالدعوة للإصلاح، ودفع من أجل ذلك مليار دولار لشركة mckinsey & company التي أعدت له خطة 2030م لتحديث المملكة، وهي خطة متعثرة، لن يكتب لها النجاح على الأرجح؛ لأنها قدمت للأمير تقدير مالي حول قيمة شركة أرامكو السوقية قدرته بــ (100 بليون) فيما بعد اتضح بأن لا تساوي هذا القيمة.
بالمقابل أعلنت السعودية، وهي أكبر مُصدر للنفط في العالم، عن موازنة عام 2019م بإجمالي عجز قدره 131 مليار ريال 35 مليار دولار أمريكي، يستنتج من ذلك أن مشاريع ولي العهد لن تصل إلى تمامها، بما في ذلك تبؤه العرش، إلا بدفع إضافي للذين يدافعون عنه حالياً، وهم لوبيات اقتصادية أمريكية على صلة بدولة الاحتلال الإسرائيلي.
لأن "محمد بن سلمان" أدرك بأن ارتكاب الجريمة مكلف والإفلات من العقوبة مكلف أكثر، وهو جاهز للدفع، لأنه لم يتوقع أن قتل "جمال خاشقجي" سيجر عليه كل هذه الويلات التي لن تقف عن حدود مقايضة تمكينه من الافلات مقابل الانسحاب الأمريكي من سوريا لشراء صمت تركيا.
فمن المرجح أن يتواصل الابتزاز العالمي للأمير "محمد بن سلمان" طالما بقي في موقعه، بدلالة أن الرئيس "ترامب" أوعز لأعضاء محددين في مجلس الكونغرس، بطلب مليار دولار لكل منهم؛ من "محمد بن سلمان" مقابل وعده بأنهم سيساعدوه في الإفلات من العقوبة والتصدي لمحاولات رفع الغطاء الأمريكي عنه؛ شأنهم في ذلك شأن كل الذين يتصل بهم، أو يتصلون به لمساعدته على الإفلات من العقوبة، فيستهلون حديثهم معه بالجملة الأمريكية الشهيرة "لا شىء مجاناً"، يعني ذلك إنه كيفما أدار وجهه سيدفع للآخرين ليعود سالماً إلى بيته، وهو مدرك تمام الإدراك بأن ارتكاب الجريمة مكلف والإفلات من العقوبة مكلف أكثر، وهو جاهز للدفع.