الثلاثاء: 19/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

عكازة الحياة للشهيد محمد حبالي

نشر بتاريخ: 31/12/2018 ( آخر تحديث: 31/12/2018 الساعة: 10:48 )

الكاتب: عيسى قراقع

نائب سابق في المجلس التشريعي
رئيس هيئة شؤون الاسرى والمحررين سابقا


عكازة الحياة للشهيد محمد حبالي والرصاصة الصامتة في جسد الشهيد صالح البرغوثي
بتاريخ 4/12/2018 وخلال احتفال العالم باليوم العالمي لذوي الاعاقة , اعدمت سلطات الاحتلال الاسرائيلي محمد حسام عبد اللطيف حبالي 22 عاما , سكان مخيم طولكرم , وهو يعاني من اعاقات جسدية وادراكية , اطلق جنود الاحتلال الرصاص على رأسه وهو يمشي على عكازته , لم يكن يشكل خطرا على حياة الجنود , القتل جاء من اجل القتل او من اجل التسلية , دم الفلسطيني رخيص في نظر الاسرائيليين , ربما لم تعجبهم عكازته او كنيته بزعتر , الجنود يستمتعون باصطياد البشر , وهذا الصيد سيكون مقابله وساماً وترقية ونيشاناً لهم تقديرا لبطولتهم وتصديهم لعكازة الحبالي التي يشق بها طريقه في الحياة .

الكاميرات في مكان استشهاد الحبالي صورت مشهد الاعدام الميداني ومراحل الجريمة , جسدٌ تحمله عكازته في يوم هاديء , خطواته بطيئات وظهره للجنود , الرصاصة جاءت من الخلف , لم يعرف انه الحاضر الغائب تحت رحمة رصاصة قناص , ليس له في الدنيا غير عكازته وحلمه وهذيانه الانساني .

سقط الحبالي مدرجاً بدمائه , حاولت عكازته ان تسنده وهي تشير الى القتلة , تحولت العكازة الى شاهد ووصيَة , لم تستنفر الامم المتحدة وباقي دول العالم التي كانت تحتفل بيوم المعاق العالمي بقتل معاق فقير ولاجيء بدم بارد , لم تضمن له الحق في العودة الى بلده المنكوبة المدمرة , ولم تضمن له مكانا لائقا في النصوص والصكوك , لا مكان له في الدنيا والاخرة , مكانه ظل فارغا في الاحتفال الدولي , صار خبرا هامشياً , تركوه بلا قدمين ويدين وبلا طريق , عكازته تحولت الى شاهد وبندقية .

بتاريخ 12/12/2018 وخلال احتفال العالم باليوم العالمي لحقوق الانسان , اعدمت سلطات الاحتلال الاسرائيلي صالح عمر البرغوثي 29 عاما سكان قرية كوبر قضاء رام الله , انقضت على مركبته العمومية التي يعمل بها قوات خاصة قامت باعتقاله حيا واعدمته بعد عدة ساعات , شهود العيان في المكان افادوا انه تم اعتقاله ونقله الى جهة مجهولة , وفي المساء اتصل ضابط من المخابرات الاسرائيلية في والده ليقول له قتلنا لك صالح .

رصاصة صامتة اطلقت على جسد الشهيد صالح البرغوثي , محكمة اعدام ميدانية اجريت له ليكون مصيرة الموت وكانت جريمة مركبة : احتجاز جثمان الشهيد في غموض عن مصيره واسباب وفاته , وفي مداهمة منزل عائلته بطريقة ثأرية , حصار البيت , واطلاق النار العشوائي بداخله , اصابة 3 شبان بالرصاص الحي من بينهم صلاح البرغوثي الذي بترت قدمه ولا زال معتقلا , اعتقال عمر البرغوثي والد الشهيد واخضاعه لتحقيق قاسٍ في سجن المسكوبية , عائلة الشهيد تتعرض للاستهداف والحصار والملاحقة .
اسئلة الموت والحياة تتزاحم في قرية كوبر التي يداهمها الجيش وطائرات الاستطلاع , وقد شاهدت الابن الوحيد للشهيد صالح الطفل قيس ابن ال 3 سنوات يراقب الاحتفالات العسكرية لجيش الاحتلال في القرية , يفتش عن ابيه الذي تحول الى صورة على جدار , ويراقب العالم وهو يقرأ مواد الاعلان الاعلان العالمي لحقوق الانسان وهي تتحدث عن اعتقالات جماعية , اعتقالات تعسفية , تعذيب , اغتيالات وتصفيات , هدم بيوت , احتجاز الجثامين , جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية , كل شيء هنا في هذا البيت وفي هذه القرية , كل الجرائم هنا عند قدم الطفل اليتيم المفجوع وهو يصرخ, تطارده الرصاصات والصرخات ورعب المحتلين .

هنا في فلسطين الهواء موت , الاخبار العاجلة موت , كل يوم شهيد او اكثر , اعتقالات يومية , اين يذهبون بموتنا وشبابنا وارواحنا ؟ يهدمون بيوتنا وذاكرتنا , يأتون في الليل ولا يغادرون الا بجثث او مصابين او معتقلين , اياديهم ليست فارغة , سياراتهم العسكرية المصفحة ليست فارغة , بنادقهم ليست فارغة بل ملقمة حسب تعليمات قيادة الجيش , الاكياس السوداء جاهزة , السلاسل والحديد والقنابل والهراوات والجرافات والكلاب والرصاص من كل الانواع , السجون جاهزة , الزنازين والثلاجات الباردة .
الصحفي الاسرائيلي " اوري بلاو " غرد يوم 13/12/2018 عبر حسابه في تويتر بتغريدة يعبر فيها ضمناً عن رفضه لعمليات الاغتيالات التي وقعت مؤخرا ً بحق فلسطينيين , الصحفي الاسرائيلي قال : ان الفلسطينيين يقتلون بدون اعتقال او استجواب او محاكمة , ودون ان يشكك احد في ادعاءات الحكومة , فالسهولة التي تنفذ فيها اسرائيل عمليات القتل خارج نطاق القضاء يجب ان تمنعنا من النوم .

لقد هاجم المتطرفون الاسرائيليون هذا الصحفي على اقواله , قامت الدنيا ولم تقعد , فالجيش الاسرائيلي جيش الذبح يجب ان ينتصر على السكان المدنيين وعلى الاطفال والنساء والمفكرين والحالمين والمصلين , على المزارعين والبيوت والاشجار والطيور , ومنذ 70 عاما لم تحرز اسرائيل الانتصار بعد , هذه المذبحة لا تكفي , هؤلاء الالاف من الشهداء والاسرى والجرحى والمبعدين والمشردين لا يكفي , لم تشبع تل ابيب من دمنا , لم تنم حتى الان .

الاعدام بديلا للاعتقال أو -
الاعدام بعد الاعتقال اصبح سياسة ثابتة وممنهجة لحكومة الاحتلال , الجيش الاسرائيلي اصبح محكمة متحركة , هم القضاة والجلادون , القتلة يلقون التشجيع والدعم من المستوى الرسمي في اسرائيل , لا يقدموا للمحاكمات , يحظون بالحصانة والحماية , كل ملفات الشكاوي اغلقت كما اغلق الموت عيون الشهداء .

دائما هناك هدف اخر لحكومة الاحتلال , الموت لهذا الشارع , الموت لهذا النصب التذكاري , الموت للمولود الجديد , الموت للنشيد , النصر الاسرائيلي المأمول صار ضجراً , المنتصر صار مهزوماً وقلقاً , استنهضتهم ضحايانا الى درجة انهم لا ينامون , يعربدون ويتوهون في العتمة , اياديهم على الزناد , تارة يتوقعون انتفاضة ثالثة ,و تارة يتوقعون ان تلقى السماء حمولتها فوقهم شهبا وحجارة , كل شجرة تشبه القدس , كل حمامة تشبه حيفا , كل الاولاد متشابهين , الذين قتلوا عادوا في اجسام الاحياء والمولودين , اختلط الشبيه بالمشبه , فكان القتل العمد لمجرد الاشتباه .

عكازة الحياة للشهيد محمد حبالي والرصاصة الصامتة في جسد الشهيد صالح البرغوثي , واختبأ جيش الاحتلال خلف جدار او مصفحة , وتلك هي الاوامر : مائة قناص على حدود غزة , مئات الدبابات ضد المتظاهرين , تشريع قانون طرد عائلات المقاومين , تشريع الاستيطان واطلاق العنان للمستوطنين , قانون اعدام الاسرى , الكنيست الاسرائيلي يلتهب بحمى العنصرية , الموت للعرب , الارض الموعودة لا زالت غاضبة وعاصية , في كل مرة يعودون الى البداية , مزيداً اذاً من الرصاص والقتل والجنون .