الأحد: 17/11/2024 بتوقيت القدس الشريف

وحدة "القائمة المشتركة".. قيمة تستحـــــق الدعم بلا حــــدود..

نشر بتاريخ: 04/01/2019 ( آخر تحديث: 04/01/2019 الساعة: 12:04 )

الكاتب: ابراهيم عبد الله صرصور

ملف الوحدة مبدئيا فيه الجانب القيمي – الأخلاقي – الوطني - القومي، هو البداية والوسط والنهاية، وجانب آخر فني تقني.
لقد بذلت الأحزاب العربية وعلى رأسها القائمة العربية الموحدة (الذراع السياسية للحركة الإسلامية) عبر العقود الماضية جهودا لا تُنْكَرْ لتحقيق الوحدة شَكَّلَتْ ميراثا سياسيا تراكميا شاءت الأقدار ان ينضج قُبَيْلَ انتخابات الكنيست العشرين (2015) الماضية، حيث ولدت (القائمة المشتركة)، مُفَجِّرَةً معها أمواجًا عاتيةً من التفاؤل والأمل في مستقبل أفضل للجماهير العربية في البلاد على مستوى الحضور والأداء..
لا ننكر أن تجربة "القائمة المشتركة" في دورتها الأولى (2015-2019) لم تكن مثالية، وهذا لم يفاجئني أبدا! لقد تعود المجتمع العربي عموما منذ قيام الدولة على خوض الانتخابات البرلمانية في إطار أحزاب خاضت تنافسا على الصوت العربي، ترك وراءه مساحات من الخراب في علاقات الأحزاب البينية، ومخزونا من "الثارات" السياسية أثرت على المزاج العام، الامر الذي انعكس سلبا على حماسة الناخب العربي واستعداده للمشاركة بكثافة في دعم هذه الأحزاب.. هذا بالإضافة الى أن الأحزاب العربية وأشخاصها لم يخلوا من "ضعف بشري" أدى هو أيضا الى عزوف الناخب العربي بسبب ما يراه من نزاعات وخصومات شخصية تدل على "أطماع" رخيصة، ولا تدل على "نضج" سياسي يرقى الى مستوى التحديات..
اعترف أن بعض أطراف "المشتركة" لم ينجحوا في التخلص من هذا "الضعف البشري" الذي قد يكون قاصما في بعض الأحيان، والذي ظهر واضحا في بعض الازمات التي مرت بها في السنوات الأربعة الماضية وعلى رأسها موضوع "التناوب"، والعمل المشترك، والمناوشات الإعلامية وغيرها.. هذا بالإضافة الى ما نسمعه في الآونة الأخيرة من تهديد بعض الأطراف بخوض الانتخابات منفردا إذا لم يحصل على ما يراه "مناسبا" من مقاعد في القائمة في الانتخابات الوشيكة.. من الواضح ان نشر هذا الغسيل علنا لا يمكن ان يغير واقع العزوف النسبي للمصوت العربي العادي..
"المشتركة" ليست "توليفة" سياسية لضمان "مواقع" و "رواتب" و "امتيازات".. هي مشروع وطني يجسد أجمل ما نحلم به من وحدة وعمل مشترك وتقديم للعام على الخاص وللوطني على الحزبي.. انها ببساطة "المستقبل".. إنها "الامل".. إنها "الفرصة" و "الإنجاز" الذي يستحق ان نحميه بكل غال وثمين..

لا للامبــــــــالاة وعدم الاكتــــــــــراث...
فور صدور القرار بتبكير الانتخابات علت – مع الأسف - الأصوات "المثبطة" و"المُخَذِّلَة" ذاتها لتبدأ معركتها من جديد تشويها للعمل الحزبي العربي، وتعميقا لحالة الشرذمة، وتأجيجا للصراعات الداخلية، وإضعافا للوحدة العربية..
لمصلحة من يحدث كل هذا؟!! لا شك انه خدمة مجانية للأحزاب الصهيونية التي تنتظر في الزاوية لافتراس الصوت العربي، والسيطرة على المجتمع العربي، والعودة به الى سنوات مضت ضحى مجتمعنا كثيرا من اجل التحرر منها.. لا أشك في نوايا هؤلاء، لكني لا أفهم منطقهم وانا أرى نتائجه ماثلة لا تخفى على أحد..
عند الحديث عن عدم المشاركة في ممارسة الحق في التصويت لانتخابات الكنيست، يخلط الكثيرون بين المقاطعة لأسباب أيدلوجية، وعدم المشاركة لأسباب مختلفة كاللامبالاة، عدم الاكتراث وربما غياب الدراية بالأخطار المترتبة على عدم المشاركة.. الخ ... الحقيقة أن الأغلبية الساحقة من مجتمعنا العربي لا تؤمن بالمقاطعة أبدا، وهي مستعدة للتحرك في اتجاه المشاركة ورفع نسبة التصويت الى الحد الأقصى والذي يعني (18) عضوا عربيا في الكنيست القادمة، إذا ما توفر عدد من العوامل التي يجب ان تهتم الأحزاب العربية بها..

لما نصـــــر على القائمـــــــة المشتركـــــــــــة؟
ينبع إصرار الحركة الإسلامية على ضرورة تعزيز القائمة المشتركة وعدم التفريط بها مهما كانت الأسباب من رؤيتها الأيديولوجية لمسألة الصراع الوجودي بيننا كأقلية قومية فلسطينية عربية وبين المشروع الصهيوني الذي ما زال يرى فينا أعداء يجب التضييق عليهم بكل الوسائل تمهيدا لتنفيذ مخطط "التطهير العرقي" الذي بدأوه عام 1948.. من اهم ملامح هذا المشروع المستند الى القرآن والسنة، السعي الحثيث لجمع شتات الشعب، والتوحيد بين قواه المختلفة، والتركيز على المشترك بعيدا عن كل ما يفرق ويشتت..
تنفيذا لهذا الرؤية الاستراتيجية حرصت الحركة الإسلامية بعد قرارها خوض الانتخابات البرلمانية عام 1996 الا تخوضها منفردة.. كان هذا جزءا لا يتجزأ من قرارها الذي أقرته مؤسساتها العليا (مجلس الشورى والمؤتمر العام).. لذلك رفضت كل الدعوات والتي جاءت من داخل الصف الحركي ومن خارجه، لخوض الانتخابات منفردة. سبب ذلك ان الحركة الإسلامية لم ترغب في ان تزيد المشهد العربي المنقسم أصلا انقساما جديدا.. تحققت الوحدة وإن جزئيا باتفاق مبارك بين الحركة الإسلامية مع الحزب الديموقراطي العربي قدم للمجتمع العربي تجربة جميلة حظيت بالاحترام والتقدير والدعم، كما ظلت صامدة لحين تشكل القائمة المشتركة التي أصبحت الإطار الجامع الجديد لأطياف المجتمع العربي في أغلبه الساحق..
ظلت الحركة الإسلامية وفية لخطها الوحدوي التي تبنته بقوة خدمة لأجندة شعبنا العربي الفلسطيني في الداخل والتي تتحدد في ملفين رئيسيين. الأول، الملف المطلبي (وجود، هوية وحقوق). والثاني، الملف الوطني والقومي محليا، إقليميا ودوليا..
مهما قيل في أسباب ميلاد "المشتركة"، فلا شك ان ميلادها جاء تعبيرا عن أشواق وأحلام لطالما راودت مجتمعنا العربي وشعبنا الفلسطيني وأمتنا العربية.. أعنى بذلك "الوحدة" بكل معانيها وبكل مستوياتها.. لذلك لا نبالغ إذا قلنا إن "المشتركة" جاءت كرد طبيعي على حالة التمزق والانحطاط الذي يعيشه تعيشه منطقتنا بشكل عام، أعطت الأمل أن تغييرا جذريا في هذا الواقع ممكنٌ إذا ما "أراد الشعب"..
لذلك قلنا مرارا وتكرارا ان "المشتركة" ليست "توليفة" سياسية جاءت لتلبية حاجات الأحزاب و "أطماعها" في الوجود.. من يفكر بهذا اللامنطق لا مكان له في مشروع هو أعظم من ذلك بكثير، وإن كان هذا الإطار سيلبي حتما "الطموحات" المشروعة لكل الأحزاب والمكونات العربية في الداخل. "المشتركة" بهذا المعنى مشروع سياسي يجب ان يسعى الشركاء فيها الى تحويله وإن بالتدريج الى مشروع وطني جامع يكون مظلة لعمل جدي وشامل يُمَكِّنُ المجتمع العربي من هزيمة التحديات ومواجهة المخاطر داخليا وخارجيا، ويسند هيئاتنا الوطنية (لجنة المتابعة العليا واللجنة القطرية لرؤساء البلديات والمجالس المحلية)، ويزيدها قوة الى قوتها وخصوصا "المتابعة" التي ستظل برلمان العرب في الداخل بلا منازع..
من اجل ذلك كله وغيره، تقع مسؤولية كبرى على اكتاف مكونات "المشتركة" تستدعي عملهم المشترك والموحد لتعزيز القائمة والتقليل قدر المستطاع من عوامل الهدم فيها، وفتح أبوابها امام قوى وشخصيات وازنة، وتطويرها لتكون الإطار الأكثر جذبا وفاعلية على الساحتين البرلمانية والشعبية. سنظل في الحركة الإسلامية الدينامو الذي يدفع في اتجاه المزيد من الوحدة، ومانعة الصواعق الذي يفرغ الشحنات السلبية التي تولدها الطبيعة المعقدة للعمل السياسي، والحريصة على عدم الدخول في أية صراعات أو خلافات في قضايا وملفات تسع الاجتهاد فيها، وتتحمل اختلاف وجهات النظر حولها، من ِشأنها ان تضعف وحدة مجتمعنا وتماسكه.
ستظل الحركة الإسلامية بناء على رؤيتها هذه "مقاتلة" بعناد لحماية "المشتركة" وصيانتها والدفاع عنها في وجه كل من يريد إسقاطها تحقيقا لمآرب شخصية او تنظيمية، وستعمل مع كل شركائها على تعزيز قوتها وتوسيع قاعدتها وزيادة تمثيلها، لتكون بجدارة العمود الفقري للجنة المتابعة وهيئاتها المختلفة..

مقاطعـــة الانتخابـــــات خطـــر كلــــها..
لمقاطعة الانتخابات البرلمانية في إسرائيل مهما كانت أسبابها (أيديولوجية او إهمالا)، مخاطر كثيرة أقف في هذه العجالة على اهما:
أولا، تنازل طوعي عن حق مكفول قانونا، قد يمهد لتنازلات أخرى.
ثانيا، تفريغ الساحة البرلمانية والساحات ذات الصلة محليا وإقليميا ودوليا من الصوت العربي المنغص والمؤثر، وهذا ما يتمناه اليمين الإسرائيلي المتطرف.
ثالثا، الدفع بالمجتمع العربي إلى أحضان الأحزاب الصهيونية من جديد بعدما نجحت جماهيرنا بعد جهود وجهود من تخفيض نسب النزيف في اتجاه تلك الأحزاب على مدى العقود الماضية، مما نعتبره إنجازا وطنيا من الدرجة الأولى.
رابعا، تعزيز قوة الأحزاب الصهيونية الكبرى، فمن الثابت عمليا وبناء على دراسة قانون الانتخابات الإسرائيلية، إن عدم المشاركة في التصويت لا يعني إلغاء الصوت، وإنما وفي إطار الحساب النهائي للأصوات، المقاطعون يخدمون الأحزاب الصهيونية الكبرى.
خامسا، رضى الأطراف الداعية للمقاطعة والذي يعني في المحصلة - لو تم - انهاء الوجود العربي في الكنيست، وهو ذات الموقف الذي تتبناه احزاب اليمين الصهيوني التي لا تريد ان ترى العرب في البرلمان ... قد يقول المقاطعون: لنا اسبابنا، ولا علاقة لنا بهم ... هذا ربما يكون حقا، لكن النتائج واحدة، وكما قيل (حسن النية لا يبرر سوء التصرف)..

المطلــــــــــــوب......
اولا، اعلان قيادة "المشتركة" ان القائمة ليست مجرد "تركيبة انتخابية"، ولكنها مشروع وطني تجب المحافظة عليه بكل قوة..
ثانيا، الدخول الفوري في مفاوضات جدية ومسؤولة لإنهاء هيكلة "المشتركة" بناء على تجربة السنوات الأخيرة على المستوين الداخلي (داخل المشتركة)، والوطني.
ثالثا، على الاحزاب المكونة للمشتركة الاهتمام بضم شخصيات وقوى غير حزبية وازنة أكاديميا ووطنيا، لتعزيز صفوفها، وزيادة تمثيلها..
رابعا، سرعة حسم القضايا المذكورة اعلاه معناه تجاوز الاضرار التي تسببت بها ازمة التناوب، وإعادة الثقة في "المشتركة"، والشروع فورا وسريعا وجديا في وضع الخطة الانتخابية ورؤيتنا للمرحلة القادمة على المستوين النظري والتنفيذي..
خامسا، تحديد الهدف: 15 عضوا فما وفق، وليس أقل من ذلك..


**** الرئيس السابق للحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني