نشر بتاريخ: 05/01/2019 ( آخر تحديث: 05/01/2019 الساعة: 17:25 )
الكاتب: جميل السلحوت
وصلني عبر البريد الألكتروني كتاب: "كسرة خبز" للكاتب المغربيّ حسن إبراهيمي، صادر عن دار المختار للنشر والتوزيع عام 2018، ويقع في ثمانين صفحة.
تصفّحت الكتاب من باب حبّ الإطّلاع، خصوصا وأنّني لم أقرأ من قبل أيّ كتاب للمؤلّف، وإن كنت قد قرأت له بعض النّصوص على صفحات التّواصل الاجتماعي "الفيس بوك"، وهنا لا بدّ من التّأكيد على أنّنا في فلسطين الذّبيحة قد عشنا حصارا ثقافيّا محكما، فرض علينا قطيعة مع امتدادنا العربيّ، وعندما قامت السّلطة الفلسطينية عام 1994 إثر اتفاقات أوسلو التي وُقّعت في 13 سبتمبر 1993 انفرجت الأمور قليلا، وإن كان "للإنترنت" دور كبير في هذا أيضا، لكنّنا بقينا في حالة اغتراب عن أدب أشقّائنا المغاربة، ولم يصلنا منه إلا النّزر اليسير لكتّاب ذائعي الصّيت مثل محمد بنيس وفاطمة برنيسي، حسن برطال ومحمد شكري، كما قرأت روايتين وصلتا إليّ عبر البريد الألكتروني للأديب معمر بختاوي وكتبت عنهما. ووصلنا أيضا روايات لأدباء جزائريّين منهم الطاهر وطّار، واسيني الأعرج وأحلام مستغانمي.
ما علينا، فشبه القطيعة الحاصل ليس بأيدينا ولا بأيدي إخوتنا المغاربة، لكنّه بسبب الاحتلال البغيض الذي أهلك البشر والشّجر والحجر.
وهنا لا أخفي فرحتي بوصول كتاب "كسرة خبز" إليّ عبر بريدي الألكتروني، وفور قراءتي للعنوان"كسرة خبز" عادت بي الذّاكرة لكتاب "الخبز الحافي" للرّاحل محمّد شكري، ورغم أنّ القراءة الألكترونيّة لا تغني عن الكتاب الورقيّ، وحتّى أنّها لا تقارن معها، ومع الاختلاف شكلا ومضمونا بين "الخبز الحافي" وكسرة خبز"، أو كما قال السّلف "لكل شيخ طريقته"، والشّيخ هو هنا الأديب حسن ابراهيمي، فالكاتب الذي صنّف إصداره هذا تحت باب "شذرات أدبيّة" ومن معاني شذرات كما جاءت في القاموس المحيط" شَذْرَةٌ جمع: شُذُورٌ ، شَذَرَاتٌ . [ ش ذ ر ]. ( وَاحِدَةُ شَذَرَاتُ ذَهَبٍ: قِطَعٌ مِنَ الذَّهَبِ." وعند مدخل الكتاب، وممّا جاء في الإهداء:" إلى رفيقة دربي فاتحة أمّ طفلاي"، توقّفت أمام "طفلاي" ممتعضا، وتساءلت عن سبب رفع الكاتب كلمة"طفلاي" التي هي مضاف إليه وحكمه الجرّ بالياء" لأنّه مثنّى"، والصّحيح هو "أمّ طفليّ". وكأنّي بالكاتب قد تعمّد الخطأ مع سبق الإصرار والتّرصّد، خوفا من أن يقرأها البعض "أمّ طفلي" أي "أمّ طفل واحد وليس طفلين". وهذا الاستنتاج خرجت به بعد أن قرأت الصّفحات التّالية، حيث وجدت نفسي أمام كاتب يملك ناصية الكلمة، وأنّه صاحب لغة أدبيّة رشيقة سليمة. كما أنّه صاحب ثقافة واسعة جعلته ينزف بحبر مداده حِكَما تدهش المتلقي، هذه الحِكَم لا تخلو أيضا من فهم عميق لفلسلفة الحياة، وما يدور فيها من صراع بين الخير والشّرّ، وبين قوى الاستعلاء من جانب والفئات المسحوقة من جانب آخر. وهذه النّصوص التي صنّفها كاتبها شذرات هي بحقّ وحقيقة كلمات من ذهب لمن يعرف خبايا الكلمات. وهذه النّصوص كانت مزيجا من عدّة أصناف أدبيّة، ففيها خواطر، وفيها ومضات قصصيّة، كما فيها قصّ وجيز أيضا، لكنّها في الأحوال كلّها وفي غالبيّتها تختصر رواية طويلة لواقع له ما له، وعليه ما عليه.
فتحيّة للكتاب على هذه الشّذرات التي أمتعتني بلغتها الجميلة ومضامينها العميقة.